سير العمليات الحربية عام 1948 خاض الجيش العربي معارك شرسة وضارية ضد القوات
اليهودية التي هاجمت المناطق العربية كان من ابرزها م يأتي: معارك القدس شهدت الأيام 15، 16، 17 أيار هجوما يهوديا مكثفة على المناطق
العربية واحتلوا المناطق المحيطة بالقدس، وظهر يوم الإثنين 17 أيار اتصل جلالة
الملك عبد الله هاتفية بقائد الكتيبة السادسة (عبدالله التل) وأمره أن يتحرك إلى
القدس لإنقاذها، نظرا لمكانتها في نفسه وعند العرب والمسلمين واستجابة للمناشدات
العديدة التي وصلته من أهالي القدس ومن بينها مناشدة أحمد حلمي باشا يومي 16، 17
أيار 1948 م يطلب النجدة وإلا سقطت القدس، وفي صباح 17
أيار 1948م عقد مجلس الوزراء جلسة في الديوان الملكي برئاسة
الملك عبدالله و بحضور كلوب ومساعده اللواء عبد القادرالجندي قال الملك: (أريد
منكم تأليف مجلس وصاية على العرش لأنني أريد أن أتولى بنفسي قيادة القوات في
القدس، إني لا أطيق البقاء على قيد الحياة إذا سقطت القدس وأنا أتفرج) وفي الساعة 340، يوم 18 أيار 1948م أضاءت طلقة
تنوير خضراء سماء مدينة القدس إيذانا بدخول الجيش العربي إلى المدينة القديمة
وكانت مهمتها صد هجمات العدو على أبواب أسوار القدس والضغط على القوة اليهودية في
الحي اليهودي، ودارت معارك شرسة في أحياء القدس القديمة. العمليات الحربية عام 1948 على إثر قرار التقسيم أعلنت بريطانيا عزمها
الانسحاب نهائيا من فلسطين يوم 15 أيار 1948م ووقف العرب واليهود على
مفترق طرق وكان التعارض في وجهتي النظر حادا و لم يكن بالإمكان التوصل إلى حل وسط
و أخذ الطرفان يعدان العدة لذلك اليوم. موقف الطرفين القوات الأردنية والقوات اليهودية تمثل الموقف يوم 15 أيار عام 1948م بين الجيش
العربي الأردني والقوات اليهودية الغازية الاحتلال أرض فلسطين بما يأتي: القوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي. فرقته
مشاة مكونة من ثلاثة ألوية وعددها (4500) أربعة آلاف وخمسمائة فرد. -القوات اليهودية العسكرية. مكونة من (62) اثنين وستين ألف جندي نظامي وتدعا الهاجانا و (6300) ستة آلاف وثلاثمائة رجل من المنظمات الإرهابية و (2000) ألفي شخص قوة تخضع لبريطانيا. نتيجة لتطور الأحداث في فلسطين وبناء على رغبة
الملك عبد الله قررت الدول العربية إرسال قوات عربية إلى فلسطين، ودخل الجيش
العربي الأردني إلى فلسطين يوم 15 أيار مع الجيوش العربية وتحرك من جنين باتجاه
العفولة وتحرك قسم منه من جسر المجامع على نهر الأردن نحو بيسان - العفولة. معركة الشيخ جراح الساعة 0345 يوم 19 أيار صدر الأمر للكتيبة الثانية للسيطرة على المنطقة الممتدة
من الشيخ جراح حتى باب الواد و تقدمت حتى وصلت إلى سور القدس واتصلت مع الكتيبة
السادسة، وقد تم تبديل الكتيبة الثانية بالكتيبة الثالثة وهاجمت النوتردام و بقيت
حتى 17 أيلول 1948م وحلت مكانها الكتيبة الخامسة، وقد حارب جنود الجيش العربي
بالشجاعة التي عرفوا بها، ووقع القتال المتلاحم من منزل إلى منزل و من غرفة إلى
غرفة، وحاول اليهود الدخول إلى القدس أكثر من مرة إلا أنهم فشلوا بسبب بسالة الجيش
العربي. استسلام الحي اليهودي. كانت قوة اليهود في الحي اليهودي تقدر ب (480) مقاتلا متحصنين وكانت الأوامر لديهم بالدفاع حتى
النهاية، وقام الجيش العربي بتضييق الموقف على الحي اليهودي حتى استسلم فجر
يوم 28 أيار، وأجريت الترتيبات لتوقيع وثيقة التسليم وكان عدد
الأسرى (340) ثلاثمائة وأربعين أسيرا بعد أن سمح للنساء والأطفال والشيوخ ورجال
الدين بالمرور إلى الأحياء اليهودية في القدس الجديدة وبلغت خسائر العدو (300) ثلاثمائة قتيل وخسائرنا (14) أربعة عشر شهيدا۔ (25) خمسة
وعشرين جريحا، وبعد مفاوضات أطلق الأردن سراح الأسرى اليهود
مقابل أطلاق اليهود سراح نحو خمسة الآف عربي من المدنيين الفلسطينيين الذين
اعتقلهم اليهود أثناء استيلائهم على المدن والقرى الفلسطينية واستمر اليهود يشن
الهجمات على أسوار القدس ومواقع الجيش العربي واتخذ الطرفان مواقع متقابلة ابتداء
من تلة شعفاط وحي الشيخ جراح شمالا حتى بيت لحم جنوبا معركة الرادار الساعة 0345 يوم 26 أيار احتلت الكتيبة الأولى تلة الرادار حيث كانت تسيطر على
طريق رام الله - القدس واستمرت محاولات العدو للسيطرة عليها كل ليلة حتى في أيام
الهدنة. معركة مستعمرة رامات راحيل تقع مستعمرة رامات راحیل
جنوب القدس وتشرف على طريق القدس - بيت لحم ويوم 15 أيار نفذ الهجوم وتم الاستيلاء
على المستعمرة. معارك اللطرون وباب الواد. تقع اللطرون على سلسلة جبال وعرة تطل من ناحية
الغرب على سهل اللد والرملة ومن الشرق على الوادي الذي يمر فيه طريق باب الواد
الذي يربط السهل الساحلي بالقدس، وفي يوم 17 أيار 1948م تم إرسال الكتيبة الرابعة
بقيادة المقدم حابس المجالي إلى اللطرون و احتلت مواقع دفاعية و ليلة 21/22 أيار تقدمت قوة للعدو حتى وصلت لمسافة قريبة
جدا و لم تتمكن من اختراق الموقع فانسحبت صباحا وأرسلت الكتيبة في الأيام الآتية
عدة دوريات ليلية ونهارية ناجحة ويوم 24 أيار تم تعزيز الكتيبة الرابعة بالكتيبة الثانية في منطقة باب الواد وجبال يالو ووضعت سرية مدرعات قوة احتياطية للكتيبتين، وفي
الساعة 0330. من يوم 25 أيار هاجم اللواء السابع اليهودي مواقع الكتيبة الرابعة وأجبر على التراجع تاركا خلفه (800) ثمانمائة قتيل ومعداته وأسلحته وقدم الجيش العربي الأردني ثلاثة
شهداء، وقد وجه الملك المؤسس عبد الله بن الحسين رسالة لجنود الجيش العربي الذين
قاتلوا اليهود في معارك اللطرون وباب الواد الخالدة حيث
يقول «وأنت أيها الجيش الباسل غير الأثيم، إنني أشكر الحي من جنودك والميت، فقد
رفعت الرأس عالية، وإنني فخور بك شاكرا لمسعاك. وإن كلمتي هذه لجميع القواد والضباط والجنود ذاكر
كل مسعى لمدربيك ومنشئيك، فأنت بحق فخر البلاد وسياجها، فابق كما أنت على إخلاصك
وعزمك والله يؤيدك ويحميك. أقول قولي هذا ولا خيية عليك ولا تقصير في واجبك نحو إخواننا
في فلسطين). استمر العدو باستطلاع مواقع الجيش العربي وقام بتجميع ثلاثة ألوية
لاجتياح المواقع الدفاعية للجيش العربي في اللطرون، وفي الساعة .2100 يوم 30 أيار بدأ الهجوم وتم دحره وخسر العدو (161) قتيلا عدا الجرحى وتم اغتنام عدد من الأسلحة والآليات وفقدت الكتيبة
أربعة شهداء, وأعاد العدو الهجوم للمرة الثالثة يوم 9
حزيران ولم ينجح، وعندما وصلت أنباء هذا الانتصار الكبير في اللطرون و باب الواد
إلى الملك عبد الله سر كثيرا و أمر قيادة الفرقة بإرسال برقية إلى القائد حابس
المجالي هذا نصها: صاحب الجلالة يشكركم على انتصاراتكم الباهرة التي تحرزونها من
وقت لآخر، ويرغب جلالته أن تبقوا السيارات المدرعة التي غنمتموها في معركة اللطرون
صباح اليوم ليحضر لمشاهدتها، وفي صباح يوم الأول من حزيران 1948م وصل الملك
عبدالله إلى اللطرون ترافقه ثلاث مدرعات من اللواء الأول بقيادة الملازم صالح
الشرع، فتفقد موقع المعركة واستمع إلى شرح ميداني عن سيرها . ثم خاطب قائد الكتيبة
ومرتباتها قائلا: (إنك وجنودك تدافعون عن أرض سبقكم للدفاع عنها قادة عظام من
أمثال عمرو بن العاص وصلاح الدين. ومن أسماك حابس ما أخطأ لأنك حبست العدو وحلت
دون تقدمه. إن كتيبتك الرابعة هي الكتيبة الرابحة بإذن الله) اشتباكات اللد والرملة في 2 حزيران
تم إرسال قوة وقامت بالهجوم على مستعمرة جيشر وتطهيرها وهاجمت مستعمرة بير يعقوب
العمليات العسكرية - المرحلة الثانية 18-9 تموز 1948م استفاد اليهود من فترة الهدنة فأعادوا تنظيم
قواتهم واستيعاب الأسلحة والمعدات و مختلف أنواع الذخائر التي وصلتهم من عدة مصادر
وحصنوا مواقعهم واحتلوا ما أمكن من التلال الإستراتيجية ووضعوا الخطط العسكرية
المحكمة، وغيروا من عقيدتهم القتالية لتصبح معتمدة بالدرجة الأولى على الهجوم
وشملت المعارك بين الجيش العربي والقوات اليهودية ما يأتي : سقوط اللد والرملة صباح يوم 9 تموز 1948 بدأ العدو هجومه بأربعة ألوية لتطويق المدينتين من جهة الشرق
واشتبكت مع سرية الجيش العربي وأوقعت به بعض الخسائر وانسحبت السرية ليلة 12 تموز بعد أن استلمت أمر الانسحاب. معركة بيت نبالا ودير طريف. صدر الأمر للكتيبة الأولى لمواجهة تقدم هجوم العدو
وتمكنت من استعادة القريتين والمعسكر يوم السبت 10 تمور
واضطر العدو للانسحاب. مواقع وحدات الجيش العربي الأردني يوم 15
ايار 1948م تمركزت وحدات الجيش العربي عصر يوم السبت 10 ايار
في الموالح التالية: قيادة الفرقة بالقرب من قرية بيتن الى
الشمال الشرقي من رام الله. انتقلت فيما بعد إلى بيتونيا) د قيادة اللواء الأول : مستثبت عسكر - شرقي نابلس الكتيبة الاولى - قرية دير شرف، على مفترق طريق
نابلس - جنين مع نقاط امامية ودوريات في طولكرم والنقيلية وشويكة وباقة
الغربية. التحقت سرية المدرعات الأولى بالكتيية
يوم ۱۸ ايار، قادمة من كفار عصيون والتحقت بهذه الكتبية مجموعات من
المناضلين الاردنيين من قبائل الحويطات ويني سخر والسرحان وبني حسن وبني خالد الكتيبة الثالثة - تمركزت في اراضي قرية حواره الى
الجنوب من نابلس، على أساس أنها قوة احتياط للكتائب الأخرى يادة اللواء التالته الريا بالمياه إلى الغرب من
رام الله قيادة اللواء الثالث: قرية بيتونيا الى الغرب من رام الله اكتيبة الثانية: قرية بدو السرية الأولى: القبيبة - - قبالة تلة
الرادار السرية الثانية : مرتفعات النبي صموئيل السرية الثالثة: مرتفع بدو - قبالة الرادار سرية المدرعات: ضمن جبهة الكتيبة، وترتبط
مباشرة بقيادة اللواء الكتيبة الرابعة : بين قريتي خربثا ودير
نظام السرية الأولى: قرب قرية دير نظام السرية الثانية:- شرقي قرية خربثاء السرية الثالثة : مثلث بيت سيرا۔ كتيبة المدفعية: في مقر قيادة الفرقة - رام الله ( القائد هيرست،
الرئيس بولك. مساعد قائد الكتيبة، الملازم مصطفى الخصاونة – ركن عسكري
، المرشح بهجت الحين - ركن إدارة، الوكيل بطرس حمارقة - مترجم)۔ البطارية الأولى : (۸ مدافع) الفئة الأولى: قرية بيت حنينا وبعدها قرية الجيب (
قطاع القدس – رام الله) الفئة الأولى: قرية بيت نوبا قائد البطارية: وكيل القائد محمد المعايطة ضابط البطارية: الملازم أول شاهر أبو شاحوت,
الملازم اول عامر خماش, الملازم ثاني محمد نجيب البركات, المرشحون: سالم فالح
البطاينة, محمود المعايطة, عبدالعزيز عصفور, عبدالرزاق الشريف, مشهور الشريدة البطارية الثانية: 8 مدافع – فئتان قطاع نابلس أولا ثم انتقلت الى قرية بيت
حنينا قائد البطارية: الرئيس روينسون (ثم الملازم اول
اميل جميعان) ضابط البطارية: ملازم ثاني – ذيب علاوي منذر عناب,
عبدالله البيطار. مرشح – جول وديع محمد الخصاونة,شفيق جميعان, احسان
الحلحولي, محمد خليل عبدالدايم معارك اللطرون (البرج،وقولة,وخراب اللحم 9-18/7/1948م) استأنف العدو هجومه صباح يوم 13 تموز 1948م
لتطويق اللطرون استكمالا لعملية (داني) التي بدأها اليهود باحتلال اللد والرملة
وأقام الجيش العربي خطا من النقاط الدفاعية ابتداء من بيت نبالا وقولة شمالاً حتى
سلفيت وبيت نوبا في الجنوب، واشتبكت مع العدو في سلسلة من المعارك أهمها معركة
يالو يوم 15 تموز ومعركة قولة ومعركة البرج يوم 16 تموز ومعركة رأس كركر (صفا)
ومعركة اللطرون 18 تموز 1948م، وكانت عملية (داني) هذه بقيادة (بيجال الون). وكان هذا الأداء الرائع للجيش العربي موضع تقدير
من الملك عبد الله بن الحسين، وكان فخورا بقواته العسكرية الذين كانوا يتمتعون
بروح معنوية هاشمية عالية. واستشهد في معركة اللطرون الكبرى هذه (8) جنود وجرح (5) جنود وقد أبرق الملك عبد الله إلى
أبطال معركة اللطرون البرقية الآتية: «علمت بالتفصيل عن محاربتكم أمس وما قمتم به من بسالة وشجاعة وإتقان في فن الحرب مزودين برضانا وتوفيق الله
وحسن التدريب. فصددتم القوات الهائلة في قصفكم مدة أربع عشرة ساعة بدون انقطاع
بهجمات وتطهير. وإني أحمد الله على ذلك وأشكر كل فرد من جيشي، وكل ضابط وضابط صف
والضباط والقواد. وإني لشاكركم وفخور ببسالتكم وإن بلادي لتشاركني هذا الفخر) معارك القدس كانت الكتيبة السادسة تدافع في القدس القديمة
والكتيبة الثالثة تدافع من باب العمود إلى حي الشيخ جراح، وقوات العدو المقابلة
تتكون من لواءين بالإضافة إلى قوات الأرغون وشتيرن وتتمركز في الممر الواصل بين
مستعمرة خلدة غربا حتى مستعمرة الخمسة شرقا واستأنفت هجومها ليلة 910/ تموز
ولم تحقق أي نجاح. استئناف العمليات العسكرية (المرحلة الثالثة) 11 آب 1948م. خلال الهدنة الثانية استمر تبادل إطلاق النار بين
الطرفين ومساء يوم 11 آب 1948م استأنف اليهود هجومهم على أحياء القدس ولحقت بهم
خسائر كبيرة واحتل الجيش العربي جبل المكبر وتل الغرباوي، وقام الجيش العربي عندها
ما يأتي: أ. مساعدة القوات المصرية. تسلمت قوة من الكتيبة الأولى مسؤولية الدفاع عن
الخليل من القوات المصرية يوم 22 تشرين
أول و اشتبكت مع قوات العدو في منطقة جبرين ودمرت له (6) ست مدرعات وقتلت (40)
أربعين جنديا، كما تقرر أن تقوم قوة مختلطة مؤلفة من كتيبة عراقية وكتيبة أردنية
والوحدات المصرية الموجودة في منطقة الخليل بعملية لفك الحصار عن الوحدات المصرية
المطوقة في الفالوجة و لم يتم تنفيذ الخطة لأسباب سياسية وقامت قوات الجيش العربي
بإمدادها بالمون وإخلاء الجرحى طيلة أيام الحصار. ب. عمليات جنوب فلسطين. استلمت شرطة البادية الأردنية مسؤولية الأمن في
جنوب فلسطين اعتبارا من يوم 15 أيار 1948م ورفعت العلم الأردني على مخفر المرشرش (غربي العقبة) ومخفر عين حصب
(جنوب البحر الميت) و كرنب (جنوب الخليل) في تشرين الأول 1948 م أرسلت سرية مشاة إلى منطقة وادي عربة
للقيام بأعمال الدوريات، وأواخر تشرين الثاني تقدمت قوة اسرائيلية من بئر السبع
إلى عين حصب وقامت قيادة الجيش العربي بإرسال سرية مشاة إلى العقبة واتصلت مع
القوة السابقة و ازدادت تحركات ونشاطات اليهود بإتجاه الجنوب يوم 5 آذار 1948م حشد الإسرائيليون لواءين و تحركوا بإتجاه الجنوب بقصد الوصول إلى
المرشرش على البحر الأحمر واشتبكت قواتهم مع قوات الجيش العربي ولحق بالعدو بعض
الخسائر وتمكنت يوم 10 آذار
من الوصول إلى المرشرش وتم التوقيع على اتفاقيات رودس يوم 11 آذار 1948م. استلام مناطق مسؤولية الجيش العراقي. طلب الوفد الأردني في مفاوضات رودس أن يتم وقف
إطلاق النار على الجبهة الأردنية وعلى الجبهة العراقية كون الجيش العربي الأردني
سيحل مكان الجيش العراقي، وتم الاتفاق على أن يتم تعديل خطوط وقف إطلاق النار على
الجبهة العراقية، وحصل اليهود بموجبه على أراضي المثلث مقابل تعديل خط الهدنة في
منطقة الخليل والبحر الميت لصالح الأردن، وتسلمت الكتيبة الخامسة مواقع الجيش
العراقي اعتبارا من 6 - 14 نيسان 1948م. استمرت الحرب بين العرب واليهود خلال الحرب
العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 تتألف من جولتين: الجولة الأولى 5/12 – 10 حزيران 1948م كانت العمليات
العسكرية العربية ناجحة و موفقة بادئ الأمر، فقد تخطت خط الدفاع الأول الخاص
بالمستعمرات اليهودية الواقعة على حدود فلسطين فالجيش المصري تقدم دون أن يواجه
مقاومة تذكر من اليهود إلى خط اسدود - عراق السويدان - الفالوجة - عراق المنشية -
بيت جبريل إلا أن الجيش المصري توقف بشكل لا يمكن تفسيره وتمركزت قواته في خط
دفاعي وسط فلسطين يقع جنوب تل أبيب بحوالي (25) ميلاً، تاركين مجموعة مستعمرات يهودية خلفهم لم يزل المحللون
العسكريون لا يعرفون سبب هذا التصرف. وأثناء تقدم القوات المصرية مع بدايات هجومهم
تمكنت كتيبة من الجيش المصري على طريق بير شيفا - القدس، وأسست نقطة اتصال مع فرقة
من الجيش العربي في بيت لحم أما القوات العراقية التي عبرت نهر الأردن باتجاه (بيسان)
فتعرضت لقصف من القوات اليهودية المتمركزة على المرتفعات غرب نهر الأردن في (كوكب
الهوى) والتي كانت ذات أثر كبير على خط هجوم القوات العراقية وقد وقعت فيها خسائر
كبيرة. وقد تداركت القوات العراقية الأمر، فتحركت
إلى منطقة جنين ونابلس التي سيطر عليها الجيش العربي كي يحمي القوات العراقية
المتقدمة باتجاه وسط فلسطين. وهكذا أصبحت القوات العربية في قلقيلية - طولكرم على
بعد (12) ميلا من البحر المتوسط وستة أميال من طريق تل أبيب
– حيفا وفي 16 أيار 1948م تحركت القوات السورية نحو بحيرة طبرية واحتلت مدينة
(سمخ) إلى الجنوب من البحيرة. وفي خطوة مماثلة تقدمت القوات اللبنانية و سيطرت
على قرية (المالكية) على أميال قليلة من الحدود اللبنانية الفلسطينية أما قوات
(جيش الانقاذ) بقيادة فوزي القاوقجي فقد سيطرت على منطقة بعمق عشرة أميال داخل
فلسطين وأصبحت تسيطر على الطريق الاستراتيجي الساحلي الذي يربط حيفا بعكا. ثم تقدم
هذا الجيش فسيطر على الناصرة وأصبح في مواجهة قوات يهودية منظمة كجولاني Golani وكر
ملي Carmeli والهاجانا معركة القدس بانسحاب القوات البريطانية من القدس في 14
أيار 1948م، أخذت القوات اليهودية والعربية داخل المدينة
تتأهب لملء الفراغ وبحلول 16 أيار 1948م كانت القوات اليهودية قد أتمت سيطرتها على معظم المنطقة الواقعة
خارج أسوار المدينة القديمة، باستثناء الأحياء الشرقية واستخدموا قذائف
المورتر ضد الأحياء العربية منذ صباح 15 أيار، فطلب أهالي القدس المساعدة من الملك
عبدالله. وفي صبيحة 15 أيار 1948م دخلت قوات الجيش العربي جسر الملك حسين (جسر اللنبي) إلى فلسطين،
بقيادة الزعيم (نومان لاش) مكونة من لواءين تمركز أحدهما في منطقة نابلس بينما
تمركز الآخر في بيتونيا بالقرب من رام الله وقد استنجد أهالي القدس بالملك عبدالله
فبعث جلالته برسالة عاجلة إلى الفريق كلوب رئيس الأركان يأمره بالإسراع لنجدة و
إنقاذ المدينة المقدسة قائلا : إن أهمية و موقع القدس في أعين العرب مسلمين و
مسيحيين معروفة جدا وإن أي كارثة يمكن أن تحل بعرب القدس على يد اليهود سواء
بالقتال أو الطرد من منازلهم سيكون لها أثار سلبية سيئة بالغة علينا . وإنني أمر بلزوم الاحتفاظ بها بزج الاحتياط الوحيد
للجيش العربي الموجود في اليد و استخدامه في المعركة للدفاع عن القدس فكل شيء بين
أيدينا اليوم يجب أن نحافظ عليه ،القدس القديمة و الطريق إلى اريحا ، و يمكن إنجاز
ذلك باستخدام الاحتياط المتواجد في منطقة رام الله أو بإرسال قوة من الاحتياط
العام ، وإني أطلب منك تنفيذ الأمر بالسرعة الممكنة . وفي 17 أيار 1948م قامت السريتان الأولى بقيادة محمود الموسى و الثانية بقيادة الرئيس
عبد الرزاق عبدالله من سرايا الحامية المستقلة التابعة للجيش العربي باحتلال جبل
الزيتون المطل على القدس من ناحية الشرقي ، وكان الملك عبدالله قد أصدر أوامره في
17 أيار 1948م إلى عبد الله التل قائد الكتيبة السادسة بدخول
القدس و انقاذها من القوات اليهودية، بعد أن بين عبدالله التل للملك بأن سرية واحدة أو سريتين لا تكفیان لانقاذها ، فإنقاذ المدينة المقدسة مطلب ديني و
سياسي للعالم الإسلامي كله، كما أن خسارة القدس ستكون
ضربة قاسية للعرب، لأن القدس بالإضافة إلى مكانتها المقدسة هي مفتاح فلسطين فالذي
يحتل القدس يحتل فلسطين (1). وفي نفس اليوم أمر الملك عبدالله قوات الجيش العربي
بالتقدم من رام الله إلى القدس، وبدا قصف المدينة بالمدفعية الثقيلة. وفي 18 أيار
1948م، تقدمت فئتان من جنود السرية الأولى مشاة من قوات الجيش العربي من جبل
الزيتون وتجاوزوا كنيسة الجثمانية مرورا بوادي قدرون ثم بكنيسة مريم العذراء، ثم
صعدوا المنحدر وصولا إلى باب الأسباط وكانت الفئة الأولى بقيادة الملازم
الأول نواف الجبر الحمود والفئة الثانية بقيادة الملازم الثاني مصطفى إبراهيم
الشوبكي) ودخلوا المدينة القديمة من باب الأسباط واشتبكوا مع قوات يهودية داخل
القدس في محاولة للاستيلاء على الحي اليهودي في القدس القديمة وفي اليوم
نفسه 18 أيار صدرت الأوامر إلى قادة وحدات الجيش
العربي بالهجوم على (الشيخ جراح)، كما صدرت الأوامر في نفس الوقت إلى السرية
الثامنة مشاة في جبل الزيتون بالتقدم باتجاه القدس القديمة. وفي صباح يوم 19
أيار 1948م،
تقدمت مصفحات الجيش العربي نحو (الشيخ جراح) و استولت على التلة الفرنسية) المشرفة
على المداخل الشمالية للمدينة، ومنها إلى مدرسة البوليس التي كانت بأيدي قوات
(ارجون) اليهودية آنذاك واتصلوا مع الكتيبة السادسة وبعد معارك طاحنة بين
قوات الجيش العربي والقوات اليهودية، سقطت مدرسة البوليس بأيدي الجيش العربي الذي
استغل هذا النجاح واحتل ( الشيخ جراح) ليتصل بالأهالي داخل المدينة القديمة، ويقطع
طريق الإمداد اليهودي الوحيدة إلى (جبل سكوبس (Mount Scopus وكانت
معركة الشيخ جراح من أعنف المعارك و أشدها ضراوة فقد أرسلت الفرقة الأولى إلى
الشيخ جراح كل القوات التي كان بالإمكان حشدها، وأظهرت هذه المعركة إقدام وشجاعة
الجنود الأردنيين بشكل يبعث على الفخر والاعجاب ثم تقدمت عربات الجيش العربي
المصفحة و دخلت مدينة القدس من باب العامود، وبدأت القوات الأردنية الاستعداد
للهجوم على القطاع اليهودي من المدينة، وصاروا يقصفون المدينة قصف متصلا لتبدأ المعركة
الأخيرة للاستيلاء على القدس شدد الجيش العربي قصفه للقدس الغربية، فقصف مقر قيادة
الوكالة اليهودية ومحطات الكهرباء و أهداف أخرى وسط المدينة، ولم يميز القصف مكانا
عن آخر . وكان الهدف هو تدمير الروح المعنوية لليهود، وبالفعل أصبحت الحياة متعذرة
داخل القدس الغربية المحاصرة فقد قصفت مدفعية الجيش العربي القدس الغربية بما يزيد
على العشرة آلاف قذيفة، بالإضافة إلى وابل من طلقات الرشاشات ظلت متواصلة ليل
نهار، حتى إنه لم يسلم منزل فيها من قذيفة أو شظية. وقاسا السكان اليهود من قلة
الماء و الطعام، فقد تم نسف خط أنابيب المياه القادم إلى القدس من الساحل، وقتن
توزيع الماء على السكان اليهود، دلو من الماء في اليوم للأسرة الواحدة، أما الطعام
و الوقود فلم يكن متوفر. وركز الجيش العربي
هجومه وأصبح يركز على إخضاع مدينة القدس، وكانت مدافعه المتمركزة على المرتفعات
الواقعة إلى الشمال من القدس بما فيها التلة الفرنسية تقصف المدينة قصفا متواصلا
دون انقطاع. وتمكن الأردنيون من طرد قوات (أرجون) من منطقة الشيخ جراح، ومن عزل
الحي اليهودي في القدس القديمة، فصدرت الأوامر إلى الهاجانا بالهجوم على (باب
الخليل) بهدف اختراق المدينة القديمة، وتكبد هذا الهجوم خسائر فادحة ورد على
أعقابه.وفي ليلة 18/19 أيار 1948م تمكنت
قوة يهودية بقيادة (دافيد اليعازر (David
Elazar من التسلق خلسة
منحدرات جبل صهيون العالية و استولوا على جبل صهيون، ثم واصلوا تقدمهم إلى (باب
النبي داود) و اجتازوه وانضموا إلى القوات اليهودية التي تدافع عن الحي
اليهودي في القدس القديمة ودارت معارك شرسة في أحياء القدس القديمة، وفي هذه
الأثناء دخلت الكتيبة السادسة بقيادة عبدالله التل إلى القدس بأمر من الملك
عبدالله الذي شعر بخطورة الموقف في القدس وضرورة إنقاذها وإنقاذ المقدسات فيها،
فقام عبدالله التل بهجوم مضاد و تمكنت قواته من استعادة (باب النبي داود) بقيادة
الرئيس محمود الموسى و طردوا القوات اليهودية بعد أن أوقعوا فيهم خسائر فادحة
وبلغ عدد قتلاهم (60) قتيلا وأصبح الحي اليهودي محاصرا. و في نفس الوقت قامت قوات من المناضلين العرب بهجوم كبير على المدينة
الغربية عند منطقة (بوابة مندلبوم)، وفي الوقت نفسه قامت قوات أخرى من الجيش
العربي بهجوم تمكنوا بواسطته دخول باب الزاهرة بقيادة (عيد أديلم) ثم ساروا في أحد
الشوارع حتى وصلوا إلى باب العامود، ومن هناك تقدموا بإتجاه دیر (نوتردام) الحصين جدا و خاض جنود الجيش العربي
معركة شرسة ثم تقدمت الكتيبة الثالثة من قوات الجيش العربي مع عربات مصفحة إلى حي
(المصرارة) على الطريق الممتد من باب العامود إلى النوتردام مرورا بسور المدينة
القديمة والدير الذي قصف بالمدافع في محاولة للاستيلاء على النوتردام. كانت المعركة شرسة بين الجيش العربي واليهود
الموجودين في الدير ، ونتيجة لذلك فقد الجيش العربي في معركة التوتردام ظهر
يوم 23 أيار 1948م حوالي(100) من جنوده بين شهيد وجريح. أما السرية الرابعة ففقدت جميع ضباطها
وضباط الصف باستثناء واحد فقط ودمر اليهود بعض العربات المصفحة الاردنية قرب سور
التوتردام الذي انهار فوقها، فعلى الحطام الطريق فيما بين الدير و سور المدينة
القديمة بالكامل فأغلقه مما أعاق تقدم قوات الجيش العربي، كانت خسائر الكتيبة الثالثة
من الجيش العربي كبيرة، ورأى كلوب قائد الجيش العربي (أن من غير الممكن التورط في
شكل من الحروب أكثر تعقيدا، ألا وهو قتال الشوارع، لذا قرر تقليل خسائره)فأوقف
الفعل على القدس الغربية , وهكذا كان على ( الفيلق العربي أن يتوقف على بعد ياردات
قليلة من قلب المدينة اليهودية في القدس، وانقذت المدينة اليهودية),بسبب توقف
الهجوم على النوتردام بامر القائد (كلوب)، يقول سليمان موسى ذكرى كلوب
في كتابه ( جندي من العرب ) (اضطر جنود المشاة إلى الانسحاب من بناية النوتردام
بعد أن أصبحوا مطوقين تقريبا كان عدد القتلى والجرحى قد ارتفع الى حد خطير. فمن مجموع (200) رجل بدأوا الهجوم، كان النصف قد لاقوا حتفهم أو أصيبوا بجراح عميقة.
السرية الرابعة بقيادة غازي الحربي فقدت جميع الضباط وضباط الصف باستثناء واحد.
لقد خاض ضباط الكتيبة الثالثة وأفرادها معركة القتال بشجاعة فائقة وإقدام عظيم
طوال ثلاثة أيام، حاربوا بتصميم واندفاع على الرغم من العطش والعرق والجوع أحيانا). أما نيومان الاسترالي قائد الكتيبة الثالثة التي
خاضت معركة النوتردام والذي كانت له معرفة بحرب الرجال فقال: بالعودة إلى 24 أيار 1948م فإنه بالنسبة إلى اليهود كان يوما داميا ومذبحة لهم كان عدد المقاتلين في الحي اليهودي والقدس
حوالي (1800) فرد، من ضمنهم (300) من الهاجانا والأرجون، وقد حارب جنود الجيش العربي بالشجاعة التي
عرفوا بها، ووقع القتال المتلاحم من منزل إلى منزل ومن غرفة إلى غرفة. وحاول
اليهود الدخول إلى القدس أكثر من مرة إلا أنهم فشلوا بسبب بسالة الجيش العربي.
وعندما نفذت الذخائر، وبدأت مواقعهم تخلى واحدا بعد آخر، وتضاءلت المساحة
التي تدافع عنها القوات اليهودية، وازداد عدد الجرحى عندئذ ارسل اليهود إلى قائد
الكية السادسة (عبدالله التل) في 28 أيار 1948م،
من أجل الاستسلام، فأخذ عدد من المقاتلين اليهود كاسری حرب،
أما المدنيون فقد سمح لهم الجيش العربي بالمغادرة وكان عددهم (1190) فرد ومثل الجيش العربي الأردني في استلام الحي اليهودي
القائد عبدالله التل و الرئيس محمود الموسى و الرئيس فاضل عبد الله أما اليهود
فمثلهم قائد الهاجانا في الحي اليهودي ، في القدس (موشيه روزنك) (Moshe Roznic) مختار
الحي (الأدون مردخاي فون جارتن) (Weingarten) بالإضافة إلى ممثل الأمم المتحدة في القدس
(السنيور اسكائي)(Azcarate) و نصت شروط الاستسلام على إلقاء سلاح القوات
اليهودية في القدس وتسليمه للجيش العربي، وأخذ المحاربين من الرجال أسرى حرب،
والسماح للشيوخ من الرجال وللنساء والأطفال والجرحى بالخروج من القدس القديمة إلى
القدس الجديدة بواسطة الصليب الأحمر الدولي، على أن يتعهد الجيش العربي بحماية
جميع اليهود المستسلمين ، ويحتل الجيش العربي الأحياء اليهودية في القدس القديمة فأرسل الأسرى وعددهم (350) اسيرا
إلى معتقل المفرق. أما قتلاهم فكانوا (300) قتيل منهم (136) من عصابة الأرغون. واستشهد من الجيش الأردني (14) جنديا وجرح (80) جنديا، كانت جراح نصفهم خطيرة)، وفي هذا المجال يقول حايم هر زوج: (كان الاستيلاء على الحي اليهودي
في المدينة القديمة هو النجاح الوحيد الواضح للفيلق العربي) وكانت الخطوط اليهودية قد ترسخت، ولإدراكه لحجم
الخسائر التي يمكن أن تنجم عن توريط قواته في قتال متلاحم من بيت إلى بيت، قرر
قائد الجيش العربي أن يركز على تجويع المدينة اليهودية حتى الاستسلام، وذلك بأحكام
قبضته على طريق القدس، وخاصة عند منطقة (اللطرون). والواقع أن كلوب وضباطه وخصوصا
ضباط المدفعية تلاعبوا وتآمروا على القدس، بل كانوا متواطئين مع اليهود، فعندما
اشتد قصف مدينة القدس اليهودية بالمدفعية الأردنية، تعالت صرخات اليهود ولجأوا إلى
كلوب، فأمر بنقل وكيل القائد محمد المعايطة إلى معسكر المحطة في عمان، وكان
المعايطة أكبر ضابط أردني في المدفعية (علما بأن دخول الكتيبة السادسة بقيادة عبد
الله التل لم تكن بأوامر كلوب، بل كان ذلك بأوامر مباشرة من الملك عبدالله الذي
رأى بعينه الثاقبة أن القدس في طريقها إلى الضياع، خصوصا و أن أهالي القدس
استنجدوا بالملك عبدالله مرات عديدة للإنقاذ القدس ومقدساتها. وعلينا ان نذكر
بالإعجاب مواقف أهالي القدس لما بذلوه من مساعدة للجيش العربي أثناء معركة القدس
لقد تخبط كلوب ولاش و غيرهم من الضباط البريطانيين في خطة مهاجمة القدس، فسرايا
تدخل وأخرى تنسحب، وقوات تهاجم ثم تصدر إليها الأوامر بالتراجع، وكان بإمكان الجيش
العربي احتلال القدس كلها (غرب و شرق)، إلا أن القيادة لم تكن صادقة في تحريك
قواتها و تسليحها ووضع الخطط المحكمة لها يقول علي أبو نوار: إن مهاجمة النوتردام كانت
عملية تكتيكية لا تؤدي إلى غاية مهمة، و إنه كان الأولى بالجيش أن يهاجم القدس
الجديدة على خط مستقيم من مركز شرطة الشيخ جراح، ثم الانحراف إلى اليسار خلف مشيرم
بل كان الأجدر استراتيجيا مهاجمة القدس الجديدة من منطقة جبل المكبر - بيت لحم.
أما الضابط (نيومان) الأسترالي الجنسية قائد الكتيبة الثالثة التي خاضت معركة
النوتردام فيصف الضباط الإنجليز بالجهل والاهتمام بالقضايا السياسية أكثر من
الاهتمام بأصول الفن العسكري ومن هنا فقد كان كلوب وضباط الانجليز ينفذون السياسية
البريطانية وتوجيهاتها، غير عابئين بالحق العربي ولا حتى بالبلد الذي يخدمون فيه ،
يعيشون بين أهلية .. حتى أن كلوب لم ينفذ أوامر الملك عبد الله بالسرعة المطلوبة و دخول الجيش
العربي إلى القدس ،لقد تقاعس في إصدار الأوامر كي تسقط القدس بأيادي اليهود، و هذا
ما أثار غضب الملك عبد الله و خصوصا وفي هذه الجلسة
حدثت مشادة بين وزير الداخلية هاشم خير والفريق كلوب عندما أخذ كلوب يبدي بعض
الأعذار، وانتهى الاجتماع بقرار اتخذه بمجلس الوزراء بدخول الجيش العربي القدس،
وهكذا كان. معارك اللطرون المعركة الأولى والثانية 25/ أيار - 1 حزيران1948م. دخلت القوات الأردنية فلسطين في 15 أيار 1948م،
وتوجهت الكتيبة الرابعة بقيادة القائد حابس المجالي إلى (اللطرون) التي تبعد (15) ميلا غرب القدس و (20) ميلا
شرق تل أبيب، لتهيمن على الطريق الرئيس الذي يصل تل أبيب بالقدس، و تمكنت الكتيبة
الرابعة من احتلالها في 22 أيار 1948م، بينما كانت معركة القدس القديمة في أوج
احتدامها، وكان المجاهدون العرب من جيش الانقاذ وجيش الجهاد قد شخصوا نقطة ضعف
القوات اليهودية والمتمثلة في الحركة على الطرقات والتنقل بين المستعمرات اليهودية
في شمال ووسط وجنوب فلسطين وبين القدس وتل أبيب، لذا ركزوا
جهودهم الحربية فيها، لأن قوافلهم كانت تتحرك على تلك الطرقات . وقد بالغ اليهود
في هذه المسألة حتى أطلقوا عليها (ازمة القوافل)، وتدلل الوثائق في الأرشيف
البريطاني الخاص بتلك الفترة أنه ليس هناك ما يسمى (أزمة القوافل)، فلم يكن عند
السلطة البريطانية وجيشها أي شك، حتى عندما كانت (أزمة القوافل) في أوجها، أن
الطرف اليهودي هو القوي وهو الذي يحدد وتيرة القتال وشكله وهذا ما برع به اليهود
فدوما يعلنون بأنهم الطرف الأضعف، هدفهم أن ينالوا تأييد أوروبا والولايات المتحدة
الأمريكية وقد فعلوا, ولكي يفتعلوا الأزمات كان اليهود يصرون على تسيير
تلك القوافل عندما لا تكون الحماية البريطانية متوافرة، حتى إن البريطانيين كانوا
يرون أن تلك القوافل تشكل عامل استفزاز واضح يهدف إلى توفير سبب كاف لليهود
المتغطرسين لكي يقوموا بالهجوم، وقد استخدموا تلك القوافل ذريعة لتوسيع سيطرتهم
العسكرية. وكانت إستراتيجية القوافل تعني الدفاع عن كل مستوطنة على حدة، وأمام
ظهور استراتيجية بروح الخطة اختفت هذه الإستراتيجية، وظهرت استراتيجية الهجوم
الكبير على الدفاع العنيد عن كل نقطة ونقطة، هذا التوجه الجديد هو الذي أدى إلى غياب الحاجة
لاستعمال القوافل، فأصبح الطريق مغلقا في وجه القوافل اليهودية القادمة من تل أبيب
إلى القدس، وتمكن الجيش العربي من محاصرة القدس
كاملة وقطع خطوط الإمدادات عن اليهود فيها لذا قرر اليهود فتح الطريق إلى القدس
وأوكل إلى اللواء السابع مهمة توصيل قافلة إمداد إلى المدينة المحاصرة كما الحقوا
به إحدى كتائب (الكسندروني Alexandroni) وكانت الخطة تتلخص في الاستيلاء على
اللطرون ثم التقدم نحو الجبال الممتدة بطول الطريق إلى رام الله. وبحلول 23 أيار1948 تمكنت القوات اليهودية من التمركز في منطقة (نعانة
وخلدة)، بينما وقفت قافلة إمدادات كبيرة على أهبة الاستعداد عند (عاقر) للتحرك إلى القدس. في هذه الأثناء عزز
حابس المجالي قواته بالكتيبة الثانية بقيادة (سليد) التي تمركزت في منطقة (يالو
ودير أيوب و باب الواد)، بالمقابل كانت الخطة الإسرائيلية تهدف إلى قيام كتيبة
(الكسندروني) بالاستيلاء على مركز الشرطة وقرية اللطرون، ولكن الجيش العربي اكتشف
ما يرمي إليه العدو وفي الساعة الرابعة من صباح 23 أيار 1948م وصلت وحدات الهجوم اليهودية إلى طريق اللطرون -
القدس، وكانت القوات الأردنية بانتظارهم، فتركوهم يتقدمون
حتى اصبحوا في مرمى نيرانهم المهلكة، فانهزموا مذعورين وقتل مهم المئات في اكبر
خسارة من نوعها. وفي الوقت نفسه كانت قوات من الجيش العربي والمتطوعين العرب قد
احتلوا قرى (بیت جیز، وييت سوسين) عند مؤخرة
القوات المهاجمة اليهودية، وأصبحت تلك القوات هدفا لنيرانهم القوية. اثناء الاستعداد كان لا بد من جمع المعلومات
عن العدو فارسل القائد حابس المجالي في ليلة 24 أيار 1948م دورية من (42) جنديا بقيادة الملازم الأول قاسم العايد لجلب
معلومات عن العدو في منطقة عرطوف ونسف الجسر من قبل مهندسي الجيش العربي على طريق
(اشوع - عرطوف) والاتصال مع الملازم عيسى مفضي ضابط الإشارة وإيصال مأمور
لاسلاكي له مرسل من قيادة الكتيبة الرابعة. وكانت الأوامر قد أعطيت للدورية
بالاشتباك مع العدو في حال مصادفته، وقامت الدورية بالمهمة كما طلب منها. إلا أن
الدورية اصطدمت بالقوات اليهودية عند عودتها في سفوح الجبال المقابلة للكتيبة
الرابعة على حين غرة، وتمكنوا من دحر العدو للجهة الغربية بعد أن (أوقعت به ما لا
يقل عن الخمسين قتيلا بسبب ربحها استثمار لعنصر المفاجاة) وقد لحقت بهم بعض
الإصابات، فاستشهد (4) جنود وجرح (2)، وقد
حاولت تلك الوحدات اليهودية أن تخلص نفسها وتنسحب، فلم تمكنها مدفعية الجيش العربي
من ذلك لأنها ظلت تقصف المنطقة بلا هوادة، وأدى ذلك إلى قتل أعداد كبيرة من اليهود
(و لم يكن ممكنا تخليص ما تبقى من القوة إلا بصعوبة بالغة)، فكانت معركة اللطرون الأولى هزيمة خطيرة
لليهود على يد قوات الجيش العربي، وكان هذا النصر حافزا للقائد حابس المجالي أن
يقوم بمهاجمة النقطة الحصينة الرئيسة لقوات الهاجانا شمال طريق القدس يوم 26 أيار 1948م وطرد القوات اليهودية المتمركزة فيها والاستيلاء
على (تل الرادار) في منطقة (بدو) وطرد حامية (عتسيوني/ (Etzioni فيهالقد حقق هذا النصر للجيش العربي
موقع نموذجيا للمراقبة يشرف على الطريق الرئيس للقدس، الذي أصبح موصدا بفعل نيران
المدفعية الأردنية . وخلال المعركة الأولى قتل من اليهود في اللطرون
أكثر من (700) يهودي، أما مجموع ما خسروه في معاركهم في اللطرون
ضد الجيش العربي فكان أكثر من (1300) مقاتل،
وبالرغم من خطورة الموقف على كافة الجبهات قرر ( بن غوريون) إعطاء الأولوية لجبهة
اللطرون , فقامت قطعات من اللواء السابع باحتلال كل من قريتي (بيت جير وبيت
سوسين). وفي 28 أيار 1948م، عين الكولونيل (دافيد ماركوس (David Marcose الأمريكي قائدا عاما للجبهة بين اللطرون والقادس، وشدد بن
غوريون على ضرورة الاستيلاء على اللطرون وباب الواد لفتح الطريق إلى القدس، لتأمين
الجوانب، ثم سحبت كتيبة (الكسند، روني Alexandroni) وحلت
محلها كتيبة من لواء (جعفاتي Givati). كانت الخطة الجديدة التي وضعها ماركوس
وشارون Sharon (أصبح رئيس وزراء فيما بعد) تتضمن أن
تتخذ كتيبة (جعفاتي) من (بيت سوسين) قاعدة ثانية لها، وتتحرك منها على طريق القدس
وتستولي على (دير أيوب) ثم (يالو)، كي يقطعوا طريق اللطرون - رام الله، وهو
طريق الإمدادات الرئيس للجيش العربي باللطرون. وكان على كتيبة المدرعات بقيادة (لاسكوف (Lashof تساندها
كتيبة مشاة أن تستولي على مركز البوليس وأن تقوم بتحييد (دير اللطرون) أسفل قرية
اللطرون، الواقع عند سفح التل على طريق القدس .: كانت الكتيبتان الرابعة والثانية
تنتظر ان القوات اليهودية، فبدأ الهجوم اليهودي الكبير في 30 أيار 1948م، فسقطت (دير ايوب) أمام هجوم (حعفاتي)، و عندما
تحركت هذه القوات نحو (بالو) فإذا بها تواجه نيرانا حامية وقصفا شديدا من قوات
الجيش العربي وكان ذلك مفاجأة لهم (واعقب ذلك هلع مفاجئ، و بدون استئذان انسحبت
كتيبة (جعفاتي) على حال من الفوضى تاركة كذلك (دير أيوب)(). لم يعرف (لاسكوف) قائد المدرعات فشل عملية جناحه
الشرقي، وواصلت تقدمها نحو مركز الشرطة في ضواحي اللطرون، إلا أن المدرعات و
المشاة اليهودية ووجهوا بالنيران المهلكة من الجيش العربي في اللطرون، بالإضافة
إلى نيران من القوات الأردنية من موقع قريب من قرية (عمواس). أمام هذا الصمود
لقوات الجيش العربي اضطرت القوات اليهودية للانسحاب بعد أن كبدتهم القوات الأردنية
الكثير من الخسائر في الأرواح والمعدات ولا بد أن نشير هنا إلى أن هذه الملحمة
البطولية لقوات الكتيبتين الرابعة والثانية تعتبر من أهم المعارك التي خاضتها
الجيوش العربية في فلسطين أما الضباط الذين أبلوا بلاء متميزا في هذه
المعركة نذكر منهم : (الوكيل يوسف جريس قائد فئة السرية الأولى من الكتيبة
الرابعة، والملازم محمد المحاسنة قائد دورية كاشفة في السرية الأولى من الكتيبة
الرابعة، والملازم تركي يوسف الهنداوي قائد دورية كاشفة في السرية الأولى من الكية
الرابعة، والرئيس صالح العيد قائد السرية الثالثة من الكتيبة الرابعة، والرئيس عزت
حسن قائد سرية الأسلحة المساندة في تلة فوق قرية عمواس، والملازم عبد المجيد
المعايطة قائد إحدى سرايا الأمن المستقلة في مركز شرطة اللطرون استشهد في هذه
المعركة، والنائب يوسف صعب قائد رشاشات الفيكرز في مركز شرطة اللطرون، والجندي
الأول محمود علي الروسان، أحد المدافعين عن مركز شرطة اللطرون (استشهد داخله)،
والملازم حمدان الصبيح، قائد فئة في سلاح المدرعات من الكتيبة الرابعة، والرئيس
رفيفان خالد الحريشا، قائد السرية الثالثة من الكتيبة الثانية و كانت الأقرب إلى
باب الواد، والمرشح علي مثقال
الفايز، أحد المقاتلين الأردنيين من الكتيبة الثانية تصدى لليهود بشجاعة
فائقة. كانت خسائر الكتيبتين الرابعة و الثانية في معركة اللطرون هذه
استشهاد أربعة وإصابة سبعة مقاتلين . أما خسائر العدو فكانت (161) قتيلا منهم (103) قتلى يهود في منطقة الكتيبة الرابعة، (17) في اللطرون و (49) في جبهات سرايا الكتيبة و (37) في مركز الشرطة ، (58) قتيلا
يهوديا في منطقة الكتيبة الثانية، وغنمت الكتيبة الرابعة (4) مصفحات يهودية ونحو (200) بندقية وعددا من الرشاشات والقنابل اليدوية . كانت منطقتي اللطرون و باب الواد منطقتين حيويتين
من الناحية الإستراتيجية والعسكرية للجيش العربي ولليهود، فلولا سيطرة البواسل من
رجال كتيبة المشاة الرابعة على هذه المنطقة لتمكين اليهود من إرسال الإمدادات إلى
القدس من أسلحة وذخائر ومقاتلين ولفشلت جهود القوات الأردنية التي تحارب في جبهة
القدس من السيطرة على القدس القديمة والمقدسات فيها. أما بالنسبة لليهود فكانت الطريق عبر اللطرون حيوية
لليهود في القدس والساحل. دافيد بن غوريون يقول: إذا اخترقنا مواقع الجيش العربي
نكون قد نجحنا أن نكسب الحرب. فالجبهة الرئيسة هي التي يتمركز فيها الجيش العربي :
القدس وجبال القدس، وليس النقب أو الجليل . إني احترم الجيش العربي إلى أقصى حد . وفي يوم 1 حزيران 1948م، فقدت العمليات
العسكرية العربية المشتركة زخمها وتراجعت، فالقوات المصرية ما زالت مرابطة في الخط
الرئيس العام : أسدود - بيت جبرين . و القوات العراقية كانت على الخط الرئيس العام
: جنين طولكرم - قلقيلية أما اللبنانيون والسوريين فلم
يتقدموا للأمام بعد تقدمهم القصير المحدود داخل فلسطين وفي هذا التاريخ فإن الجيش
العربي سيطر بقبضة قوية على اللطرون والقدس القديمة وأصبح والحالة هذه يسيطر على
نقطة متقدمة تبلغ حوالي (70) ميلا مع أربع كتائب مشاة، تلك الكتائب التي عانت
من النقص بشكل كبير (25%) حتى ذلك التاريخ. وفي خضم الصراع على الأرض الفلسطينية عمدت
بريطانيا إلى طعن الأمة العربية كعادتها في التواطئ والخيانة ولما شعرت أن الموقف
في حرب فلسطين يميل إلى الجانب العربي. تقدمت بقرار إلى مجلس الأمن الدولي يتضمن
دعوة العرب واليهود إلى الموافقة على عقد (هدنة) في فلسطين لمدة أربعة أسابيع، ودعوة جميع دول العالم إلى الامتناع
عن تزويد أي من الأطراف المشتركة في القتال بالأسلحة والمعدات وفي 30 أيار 1948م
قامت الحكومة البريطانية بسحب الضباط البريطانيين المعارين إلى الجيش العربي من
منطقة العمليات العسكرية في فلسطين وعددهم (30) ضابطا،
وأبقت على الضباط المتعاقدين مع حكومة المملكة الأردنية الهاشمية بصفة شخصية
وعددهم (10) ضباط ونتيجة لهذا القرار فان قيادة الفرقة انقسمت إلى قيادة حربية
ظلت في بيتونيا يقودها ( الزعيم لاش) ضابط متعاقد، ويساعده وكيل قائد على الحياري.
قيادة خلفية في منطقة (وشع في السلط) و فيها (القائد داونز (Dawnz ركن
العمليات الأول ويساعده (جونز( Jones، وركن العمليات الثاني الرئيس صادق الشرع.
انتقلت قيادة اللواء الأول من فلسطين (منطقة رام الله) إلى منطقة السلط (يوشع).
أما قيادة اللواء الثالث فبقيت في منطقة رام الله، وانتقل قادة الكتائب
الأولى والثانية و الثالثة وقادة المدفعية إلى الزرقاء في الأردن. ولم يقلل أو يضعف هذا القرار الروح المعنوية
والقتالية لأفراد الجيش العربي، بل ظلوا على درجة كبيرة من الحماس والتضحية
والفداء. وكان أداء القوات الأردنية اداء عظيما من الجولة الأولى وهو فوق كل سؤال،
فالقتال الذي أداه الجيش العربي كان موضع تقدير واحترام لدى الجميع، وعندما كتب
(كلوب) إيجازه عن الحرب قال: برهن الجيش العربي خلال الحرب بانه سيد المعارك كلها،
فهو في كل الأحوال لم يفقد سيطرته وأداءه الرائع في الهجوم، والإخفاق الوحيد كان
في محاولته السيطرة على (نوتردام) في القدس. فأنا نفسي الغيت المحاولات الأخرى حتى
أتفادى أية خسارة لقتل أي جندي في تلك المعارك. المعركة الثالثة والهجوم الكبير على اللطرون 9
حزيران 1948م. تٍمكن اليهود من شق طريق وعرة عبر الجبال
(طريق بورما) لإيصال الإمدادات إلى القدس، ولكنها كانت محدودة الفائدة، وظلت
القيادة اليهودية على اهتمامها بأهمية منطقة اللطرون وباب الواد من الوجهة
الإستراتيجية. لذا أصدر بن غورين) الأوامر يشن هجوم كبير بقيادة الكولونيل (دافيد
ماركوس)، فحضر (ماركوس) إلى اللواء السابع مزودا بتعليمات (بن غورين) بأن يتولى
مسؤولية جبهة القدس بأكملها، على أن تكون الألوية (السابع)، (وهار تيل (Harel و
عتسيوني Etzioni تحت قيادته. ثم انتقل اللواء السابع
وحل محله (لواء يفتاح( yiftah بقيادة (بيجال آلود(Yiga Allonl) وقد نقل هذا اللواء من الجليل إلى منطقة اللطرون . أما لواء
(هارئيل) فكان يتمركز بين القدس والمنطقة الممتدة من مستعمرة الخمسة حتى سفوح بالو
. أما اللواء السابع) فكان عليه أن يغطي الهجوم، مدفعيته ويتولى كذلك حماية طريق
بورما بدأ الهجوم يوم 9 حزيران 1948م، فقد تحرك (لواء يفتاح) بالتنسيق الهجومي مع
إحدى كتائب (هارئيل) إلى المرتفعات المطلة على اللطرون من جهة الشرق، وبدأت
المعركة الكبرى الثالثة على مرتفعات اللطرون ويالو بدأ العدو بإطلاق أسلحته
الثقيلة والمساندة على مواقع الكتيبتين الرابعة و الثانية، وعلى مواقع المدفعية
الأردنية الثقيلة، وعلى مركز نقليات الكتيبة الثانية في قرية (بيت نوبا) وردت
المدفعية الأردنية الثقيلة بقصف عنيف لمواقع العدو المقابلة، واستمر تبادل
القصف حتى منتصف الليل، وفي حوالي الساعة العاشرة ليلا بدأت الكتيبة الخامسة
بقيادة (شادمي Shadmi) من لواء (هار نيل) الزحف باتجاه
الشمال الغربي مستهدفة الاستيلاء على مرتفعات (يالو)، ثم الوصول إلى التلة
المشرفة على قرية (دير أيوب) للوصول إلى مدافع الكتيبة الثانية المتمركزة
هناك وكان القائد حابس المجالي قد وزع سرايا. قواته على النحو الآتي: السرية الأولى . في الجهة الشمالية الغربية من اللطرون لحماية مدخل
قرية عمواس . السرية الثانية ومركزها في دير اللطرون في الجهة الجنوبية من
الموقع. السرية الثالثة . في الجهة الشمالية الشرقية من جبهة الكتيبة على تل
معاذ أكثر المواقع ارتفاعا في تلك المنطقة . تساندها فئة من سرية الإسناد بقيادة
الملازم محمد نعيم). السرية المساندة ومركزها تلة تشرف على وادي عمواس، وجهت مدافعها
باتجاه دير اللطرون و مركز الشرطة، أما قيادة الكتيبة وسرية القيادة فكانت على طرف
تل معاذ من الناحية الشمالية الغربية ودارت المعركة، يقول حاييم هيرزوج : (وقعت سلسلة
من الأخطاء، إذ احتل لواء (هارئيل) موقعا خاطئا، وعندما تحرك لواء (يفتاح) نحو ما
ظنه موقع صديقا، وقع تحت النيران المركزة للفيلق العربي . واستحال الهجوم إلى حالة
من الفوضى، وفشل الهجوم على اللطرون) لقد كانت هذه المعركة من أعنف المعارك و أشرسها
التي دارت بين الجيش العربي والقوات اليهودية، استبسل الجنود الأردنيون أما
استبسال، وسطروا صفحة ناصعة خالدة في تاريخ الجيش العربي وبطولاته وقد استشهد من
الجيش العربي في هذه المعركة (7) شهداء،
و شهيد آخر من جنود النقليات و (4) مناضلين ومدني واحد من قرية عمواس كما أصيب (16) بجراح بينهم (2) من المناضلين أما خسائر العدو ففي مقدمتهم قائد الهجوم (دافيد
ماركوس) كما أنهم تركوا على أرض المعركة (97) جثة ما عدا القتلى والجرحى الذين سحبوهم من أرض المعركة وغنم الجنود
والمناضلون (120) بندقية و (5) رشاشات، وجهازي لاسلكي، وكميات كبيرة
من العتاد . في 10 حزيران 1948م، وصلت السرية الخامسة مشاة بقيادة الرئيس أديب القاسم إلى مواقع
الكتيبة الرابعة في اللطرون لتعزيزها، فأخذت مواقعها بينما كانت قنابل وقذائف
العدو تتساقط وتنفجر حولهم، فانفجرت إحدى القنابل بين أفراد السرية مما أدى إلى
استشهاد أربعة جنود وإصابة ثلاثة آخرين بجراح (). وفي الساعة 0600. من يوم 11 حزيران 1948م، بدأت الهدنة الأولى، بعد (27) يوما من القتال المنهك العنيف.
كانت الجيوش العربية حتى هذا التاريخ تحكم سيطرتها على كل من : النقب ووسط فلسطين،
وأجزاء من الجليل بالإضافة إلى مدينة القدس . فالجيش المصري رابط بقوة على بعد (25) ميلا من تل أبيب، أما الجيش العراقي والجيش العربي
فقد أحكما السيطرة على منطقة نابلس والقدس والخليل، أما اليهود فقد سيطروا على
الشريط الساحلي الضيق من فلسطين ومعظم الجليل وكانت القوات العراقية في قلقيلية
وطولكرم وفي نتوء بارز يبعد بين (12-15) ميلا عن البحر المتوسط و هو موقع هجومي يمكن منه
مهاجمة وضرب الطريق الإستراتيجي بين تل أبيب - حيفا، والذي يقع على بعد ستة أميال
من القوات العراقية المتقدمة . وعلينا أن نذكر بإعجاب وإكبار كبيرين لقوات الجيش
العربي الأردني الذين مرغوا في التراب قوات اللواء السابع من الهاجانا، وعصابات
(الآرجون و شتيرن) في معارك القدس ومعارك اللطرون، وكبدوهم مئات القتلى والجرحى
والأسرى . كانت الهدنة الأولى التي بدأت في 11 حزيران 1948م، فرصة للأطراف المتحاربة العربية واليهودية لإعادة تنظيم قواتها.
فالجيش العربي كان بحاجة إلى السلاح والذخائر إلا أن الموارد المالية الأردنية
كانت شحيحة، أما من حيث التنظيم فقد جمعت السرايا الست المستقلة معا وشكلت منها
الكتيبتان الخامسة والسادسة، وهكذا أصبحت السرايا الثلاث الموجودة في القدس
القديمة تابعة إلى الكتيبة السادسة التي عهد إليها مهمة الدفاع عن القدس القديمة
أما اليهود فقد رحبوا بالهدنة لأن قواتهم كانت منهكة، وكانت فرصة لإعادة تنظيم
قواتهم وتسليحها. فأعلن بنغورين عن تشكيل (قوة دفاع و احدة): تضم كل
المنظمات اليهودية المقاتلة في فلسطين و تحت قيادة واحدة، وزودوها بالأسلحة
والمعدات من اوروبا وبصفة خاصة من تشيكوسلوفاكيا (وأضيفت وحدات مدفعية، و خليط من
الدبابات و العربات المصفحة التي جاءت من مختلف بلدان العالم لتجتمع مكونة اللواء
الثامن مدرعات، وكانت القوات الجوية لازالت تتلقى الطائرات) وهكذا فإن الفارق في
التسليح بين القوات اليهودية والقوات العربية أصبح ضئيل، أضف إلى ذلك أن سيلا من
المهاجرين الجدد قدموا إلى فلسطين من معسكرات في كل من أوروبا وجزيرة قبرص، مما
جعل الكفة تميل إلى صالح القوات العسكرية اليهودية التي كانت الأكثر تسليحاً، وتحت
قيادة موحدة واحدة. وقبل انتهاء فترة معاهدة التهدئة هذة، اجتمع مجلس الجامعة
العربية في القاهرة، ومثل الأردن في هذا الاجتماع رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى
ورافقه نائب القائد العام للجيش العربي عبد القادر الجندي ممثلا للقوات العسكرية .
واختلف القادة العرب حول قرار استمرار القتال، واتفقوا بأن يعطى القرار للسياسيين،
وبذا فإن على الجيوش العربية التركيز على خطوط الدفاع فقط، بمعنى أن تدافع ولا
تهاجم، أما قرار تجديد القتال فيجب أن يكون قرارا سياسيا وعلينا أن لا ننسى أن
الدعاية والإعلام المبالغ فيهما سببا صدمة لجماهير الأمة العربية الذين أفهموا أن
هناك انتصارات كبيرة أحرزتها الجيوش العربية في فلسطين ولكن الواقع كان غير ذلك
ففلسطين كانت تفرغ من أهلها و اليهود يزيدون من تسليح قواتهم، وإمدادات عسكرية
هائلة تصلهم من أوروبا. أثناء فترة الهدنة هذه قام الملك عبدالله بزيارة
مصر في 22 حزيران 1948م، بصفته القائد العام للجيوش العربية في فلسطين،
وتباحث مع الملك فاروق في شؤون الحرب وتبودلت في اجتماعاتهما الآراء، وعرض الملك
عبدالله رغبته في أن يزور مركز القيادة المصرية في فلسطين، ولكن رغبته هذه قوبلت
بالاعتذار، فوجه الملك عبدالله الدعوة إلى الملك فاروق كي يزور القدس ولكنه اعتذر
، ثم طلب الملك عبدالله باخرة الأسلحة التي صادرتها السلطات المصرية في قناة
السويس والتي كانت مرسلة من المعسكرات البريطانية في القتال إلى الجيش العربي،
فقيل له أن أسلحتها وزعت على الجيش المصري والظاهر أن عنصر الثقة لم يكن متوافرة لدى القادة
العرب، فهم يشككون في طموحات بعضهم بعضا. فالملك عبدالله كان يسعى إلى تعزيز
قيادته وتحقيق المزيد من الوحدة في إدارة الحرب بصفته القائد الأعلى للقوات
العربية، إلا أن الزعماء العرب كانوا يخشون من أن يضم الأجزاء العربية من فلسطين
إلى مملكته. حتى عندما أعلن الملك عبدالله أنه سيتحرك بجيشه إلى فلسطين في 15
أيار 1948م، مهما يفعل الآخرون من القادة العرب المترددين
في دخول الحرب خشي هؤلاء أن يحتل الملك عبدالله القسم العربي من فلسطين حسب قرار
التقسيم، وهذا ما لا يستطيع العراق وسوريا ولبنان ومصر أن يقبلوه لذا قرر سياسيو
هذه الدول دخول الحرب. فالمسؤولون السياسيون العرب عالجوا شؤون قضية فلسطين ومنها
الحرب ببعض الخفة وضعف المسؤولية والاتكالية، فلم يكونوا قط على قدر التحدي الذي
يواجههم. فقد نصبوا على جيوشهم قيادة عامة مقرها (عمان) ولم يعطوها الصلاحيات
والسلطات التي تخص هذه القيادة بل كانت قيادة صورية. كان السياسيون العرب يرون أن الحرب في فلسطين
ستكون تظاهرة سياسية وليس عملا حربية، وأن اليهود سيقبلون شروط العرب دون خوض قتال
فعلي، وهذا ما صرح به النقراشي رئيس وزراء مصر والملك فاروق. حتى أن رئيس أركان
القوات المصرية عارض دخول الحرب في فلسطين لعدم توافر العتاد الحربي الكافي،
فالزعماء السياسيون كانوا يرون أن المسألة ستسوي سياسيا وأن الاشتباكات لين
تخرج في حقيقتها عن مظاهرة سياسية وليس عملا حربيا، إلا أن البطولات والمبادرات
الفردية للقوات المسلحة وخصوصا الأردنية أظهرت شجاعة وبذل وعطاء الجندي العربي
الأردني في حرب فلسطين مما استدعى الآتي: إعادة هيكلة القوات المسلحة الأردنية /
الجيش العربي أثناء الهدنة الأولى. أعيد النظر في الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة
الأردنية أثناء الهدنة الأولى، خصوصا وأن بريطانيا سحبت ضباطها من ملاك الجيش
العربي، ففي 14 حزيران 1948م، تم تشكيل الكتيبة الخامسة في الجيش العربي يقول اسحق رابين : (واستطاع بعض
اليهود أن يشتروا من الولايات المتحدة قاذفات من طراز (B.17) وتهريبها
إلى إسرائيل) مفكرة اسحق رابين، ص47 وحول شراء اليهود الأسلحة من الدول الشرقية وخصوصا
تشيكوسلوفاكيا انظر كتاب كلوب إلى فوزي الملقي وزير الدفاع الأردني رقم ALG/12 تاريخ ۱۹۶۸/۱۲/هم
يطلب فيه أموالا من الحكومة الأردنية لشراء أسلحة وعتاد للجيش العربي، لان الحكومة
البريطانية وافقت في شهر آب على دفع (200) ألف جنية حتى نهاية السنة و هذا المبلغ لايكفي بسبب زيادة عدد الجيش العربي الأردني فهو يطلب
مبلغ (300) ألف جنية إسترليني شهريا وهذا المبلغ سيكون مناسبا للشهرين القادمين
ثم يقول (فهل لسيادتكم الابراق إلى الحكومة البريطانية والطلب منها تخصيص هذا
المبلغ للشهرين القادمين) (وثائق العمليات الحربية في القيادة العامة للقوات
المسلحة الأردنية). أثناء الهدنة تبودلت المواقع بين بعض الكتائب،
وأنشئت طريق تصلح لمرور السيارات بين القدس وبيت لحم بدلا من الطريق المباشر التي
كانت تسيطر عليها مستعمرة رامات راحيل وانضمت سرية المشاة (19) بقيادة
الملازم الأول قاسم أبو شريتح إلى السرية الخامسة بقيادة الرئيس أديب القاسم،
وأرسلت هذه القوات إلى اللد والرملة في23 حزيران 1948م كي تتمركز في
المدينتين و تشد من أزر المناضلين والمدافعين من الأهالي عنهما و كان ذلك بسبب
طلبات الاستنجاد التي أرسلها أهالي المدينتين إلى الملك عبدالله والحكومة الأردنية
خصوصا وأن اليهود بدأوا يشددون الحصار والهجوم عليهما . الجولة الثانية م 9/7 - 15/10 /1948 أثناء الهدنة الأولى عينت الأمم المتحدة (كونت
برنادوت) Bernadotte وسيطا للسلام في فلسطين، وكان يأمل منذ
قدومه إلى فلسطين أن تتحول الهدنة بين العرب واليهود إلى هدنة دائمة تؤدي في
النهاية إلى معاهدة للسلام، وكانت خطته تتلخص في أن يكون الجليل بالكامل لليهود،
وأن يكون النقب كله للعرب، أما القدس فتكون تحت إدارة الأمم المتحدة و اعتبار
ميناء حيفا و مطار اللد منطقتين حرتين، وأن يصبح الجزء العربي من فلسطين تحت إدارة
المملكة الأردنية الهاشمية. رفض الطرفان هذا الاقتراح و استعدا للصدام بانتهاء
الهدنة في 9 تموز 1948م، وباقتراب ذلك اليوم، كان اليهود قد نظموا
قواتهم ووصلتهم الإمدادات العسكرية والمقاتلون من أوروبا، ووضعوا الخطط العسكرية
المحكمة، وغيروا من عقيدتهم القتالية فأصبحت خططهم تعتمد بالدرجة الأولى على أساس
المبادرة بالهجوم أما العرب فحاولوا تسليح جيوشهم إلا أن الدول الغربية وفي
مقدمتها بريطانيا رفضت ذلك بحجج واهية، أضف إلى ذلك أن السياسيين كانوا ميالين إلى عقد السلام مع اليهود. وبذا تغير ميزان
القوة وأصبح لصالح اليهود، وتغيرت خطط الجيوش العربية من الهجوم إلى الدفاع، وقد
انعكس ذلك سلبا على سير العمليات العسكرية في فلسطين وعلى القضية الفلسطينية
والنظام العربي كله . سقوط اللد والرملة. وضع اليهود خططهم الاحتلال كل من (اللد، الرملة،
اللطرون، رام الله)، وبدأ الاستعداد لها قبل نهاية الهدنة الأولى أي في 9
تموز 1948م. يقول اسحق رابين: (و لأننا كنا متأكدين من أن
الحرب ستتجدد خلال اليومين القادمين بمبادرة من العرب و لم يكن هناك سبب لترك
المبادرة في أيديهم واعتقد أن التسليح بأسلحة جديدة وفرت لنا الثقة بالنفس
وأثرت على توقيت العملية )) . أما مناحيم بيجن فيقول: (وفي نهاية كانون
الثاني 1948 م و في اجتماع القيادة العليا للارغون
الذي اشتركت فيه فرقة التخطيط، وضعنا أمامنا أهداف إستراتيجية هي: القدس، يافا،
اللد والرملة، المثلث) (48). لذا شكلت القوة التي ستنفذ هذه العملية من ألوية
(هارئيل) و(يفتاح)، واللواء الثامن بقيادة (اسحق ساديه (Yitzhak Sadeh ،
ولواء (كرياتي) وعدة كتائب من لواء (اسكندر وني)، وقاد هذه العملية ييجال
آلون Yigal Allon)، أما مساعده فهو (اسحق رابين Yitzhak (Rabin، وسميت هذه العملية (داني Dani). تعتبر مدينتا اللد والرملة من أكبر مدن فلسطين
وأكثرها سكانا وتراوح بين ألفا إلى (70) ألفا
قبل 15 أيار 1948م، بسبب نزوح أعداد كبيرة من عرب فلسطين إليهما . وهاتان المدينتان مهمتان من الناحية الاستراتيجية
ففي اللد المطار الدولي الذي يربط فلسطين بالعالم جوا . وبالقرب منهما يقع (معسكر صرفند العسكري)، وهو
أكبر معسكر بريطاني في فلسطين، وقد سلموه لليهود قبل 15 أيار 1948م، وانتهاء انتدابهم على فلسطين، بالإضافة إلى محطة اللد للسكك
الحديدية التي تعتبر ملتقى الخطوط، وأكبر محطة للسكك الحديدية في فلسطين . أضف إلى ذلك أنهما تتحكمان بممر واسع يربط
تل أبيب بالقدس فهما والحالة هذه حيويتان جدا لليهود وللدولة التي يخططون لانشائها
على الأرض الفلسطينية. لأنهما تتحكمان بخطوط الإتصالات و المواصلات في الداخل
والخارج ونقطة أمامية لحماية تل أبيب و طريقا مهما للوصول إلى القدس. ليس هذا فحسب فالذي يسيطر عليهما يستطيع كشف مجنبة
القوات المصرية في جنوب فلسطين و مجنبة القوات العراقية في وسط فلسطين . يقول (بن جوريون) في دفتر يومياته في24
حزيران 1948م: (لا بد من سحق قوات لبنان وسوريا وشرق الأردن
وعلينا أن نصمد في النقب، وخطتنا العامة لهذا الأسبوع هي : تحرير القدس والمنطقة
المحيطة بها أولا ، ولتحقيق ذلك يجب حشد قوات إضافية و أسلحة ثقيلة لأنه من
المنطقي أن نتصور أن الفيلق العربي سوف يبعثون على عجل تعزيزات للقدس . إن المعركة
من أجل القدس حيوية من الناحية المعنوية و السياسية وإلى حد ما من الناحية
العسكرية . ومع وصول المدافع (شحنات مدافع جديدة) لا
بد من تدمير (الرملة واللد)، ونستعد لتوجيه ضربة إلى جنين، ومن ثم التقدم نحو وادي
الأردن (البريجادير بيجال آلون) عليه أن
يتولى أمر ضرب سوريا في الشرق و ضرب عمان فإن شرق الأردن سوف ينتهي، وبعد، فإن
سوريا سوف تسقط . وإذا تجرأت مصر على القتال فلا بد أن نضرب بور
سعيد و الإسكندرية وحتى القاهرة)۔ يقول مناحيم
بيجن:(لو استطعنا الاستيلاء على الرملة لتمكنا من دحر العرب على الجبهة العسكرية،
وتغير الوضع الإستراتيجي تغيرا جوهريا، لما كان لها من تأثير على القدس أو المدينة
القديمة، و بسقوط الرملة يتقرر مصير اللد. هناك أسئلة عديدة عن أسباب سقوط اللد والرملة
فالمؤرخ سليمان موسى يقول : يظهر لنا ما رواه االفريق كوب عن تلك الأحداث، أنه كان يدرك أن بدء القتال يعني سقوط المدينتين في أيدي
العدو . لم تكن هناك قوات أردنية أو غير أردنية تستطيع
الدفاع عن المدينتين بصورة ناجحة، فلم تكن في داخلهما سوى السرية الخامسة وقوات
المناضلين)). أما أحمد التل فيقول إن كلوب أصدر أوامره (إلى
أقوى كتيبة في الجيش العربي للاسراع في الانتقال الى منطفة طوباس لتراقب تجمعات
اليهود، والغريب في اختيار كلوب باشا الكتيبة الأولى المرابطة في منطقة اللد و
الرملة لحماية المدينين من أي عدوان يهودي فتم نقل الكتيبة الأولى من منطقة اللد
والرملة حيث كانت تعسكر في (بت نبا لا) إلى منطقة طوباس مساء الخميس 8 تموز 1948م، اي قبل نشوب القتال بليلة واحده). وهو بهذا العمل اخلى منطقة اللد
والرملة من القوة الوحيدة التي كان يعول عليها في صد أي هجوم يهودي . ولم يبق في
المدينة سوى المناضلين الفلسطينيين والعرب وسرية مشاة من الجيش العربي. أما صالح الشرع فيقول : (في صباح يوم 11
تموز 1948م، وهو يوم حركة الكتيبة الأولى من بير زيت إلى
داميا في غور الأردن تجاه العدسية، هاجم اليهود مدينتي اللد والرملة . كان وكيل
القائد إدريس سلطان) حاكما عسكرية على المدينتين، والرئيس (اديب القاسم) قائدا
للسرية الخامسة مشاة من سرایا الحاميات تحرس
المدينتين وفي الصباح الباكر تقدمت القوات اليهودية إلى مطار اللد، واحتلته دون
مقاومة لأن فئة من مشاة السرية كانت تحرسه و انسحبت قبل بدء الهجوم . وكانت فئة أخرى في مدينة الرملة وانسحبت أيضا،
وذلك لضخامة القوات المهاجمة، واستحالة المقاومة في هذا الموقف ... ثم تجمعت هذه
السرية في موقع مركز الشرطة الرئيس بين المدينتين، وصار موقفها دفاعية أمام قوة
معادية قيل أنها بحدود لواءين أي أكثر من عشرين ضعف بالنسبة إلى عدد السرية) . وعن بطولات هذه القوة الأردنية يقول دایان الذي كان يقود (الكتيبة ۸۹ كوماندوز): (واصلت الكتيبة طريقها باتجاه الرملة حتى مركز الشرطة
القائم بين اللد والرملة الذي كانت تدافع عنه قوة من الفيلق العربي و الذي كان
يبدو من الخارج كحصن . واجهت السرية الثانية وسيارات الجيش إطلاق نار
كثيف من الطبقة العليا خصوصا الرشاشات المركزة على سطح المبنى، وقذف الجنود
الأردنيون قنبلة يدوية، على آلية نصف مجنزرة فانفجرت داخلها و جرحت جميع أفرادها
... و قد أصابت الجنود إصابات مباشرة ... و بدأ الوضع يثير المخاوف وظهر القلق على
وجوه جنود الكتيبة). ثم صدرت الأوامر إلى السرية الأردنية بالانسحاب
بعد نفاذ العتاد منهم ووصلوا بصعوبة إلى رام الله بأسلحتهم الفردية . يقول سيد علي العدروس عن انسحاب هذه السرية من
مركز الشرطة : إن هذه الخطوة الجريئة
والصعبة تم إنجازها دون فقدان رجل واحد من السرية أو حتى بندقية واحدة . وهو مثال
غير عادي أو معركة استثنائية تدلل على الانضباط والمعنويات العالية التي تنسحب على
جميع قوات الجيش العربي المسلحة (5). ويقول علي أبو نوار : (في صباح يوم 9 تموز 1948م، تحركت قوة يهودية قوامها لواءان، الأول قدم من شمال المدينتين، و
اللواء الثاني تقدم من جنوبهما . وبدأ اللواءان الهجوم الرئيس على المدينتين اللد
والرملة يوم 10تموز 1948م، وكان في هاتين
المدينتين (200) مناضل فلسطيني وأردني، و السرية الخامسة مشاة بقيادة الرئيس (أديب
القاسم)، أما المناضلون فكانوا بقيادة كل من (كاضم بدوي
والشيخ فضيل الشهوان (56). تصدت هذه القوات القليلة للقوات اليهودية المهاجمة
وتمكنوا من إعاقة احتلال المدينتين معظم ساعات النهار، وأخيرا تمكن اليهود من
احتلالهما ما عدا مركز البوليس الذي تجمعت فيه وحوله قوات الجيش العربي وقوات
المناضلين) ثم يستطرد علي أبو نوار قائلا وفي يومي 11 و 12 تموز 1948م، أمرت سرية الشهيد عبدالله فلاح بالانسحاب، من
دير طريف، فاحتل اليهود دیر طريف و بيت نبالا
والحديثة، وبن شمس، وجمزو، وعنابة، وبرفيليا، وسلبيت، وعجنجول) وهذه القرى تشكل
قوس دفاعی و هجوميا في آن واحد لحماية اللد والرملة
واللطرون و منطقة رام الله . وجميعها تقع شرق و جنوب شرق اللد والرملة . وهكذا أصبحت الطريق بين (بيت سيرا) و باب الواد،
وهي طريق مواصلات اللواء الثالث مع كتائبها مهددة بالقطع). وحدثت معركة في (دير
طريف) يقول دایان إن معركة قوية حدثت بين قوات الكوماندوز
اليهودية وقوات من الجيش العربي الذين تمكنوا من استعادة قمة (دير طريف) من
اليهود و كانت خسائر قوات دایان (9) قتلى
و (17) جريحا (حملناهم جميعا ولم نترك وراءنا سوى سيارة جيب واحدة
محطمة)(19). لم يكن القائدان حابس المجالي قائد الكتيبة الرابعة، و القائد عكاش
الزبن قائد الكتيبة الثانية يعلمان عما تنويه القيادة البريطانية من عمل مشين .
وعندما أراد (اشتون) مخاطبة أفراد قيادة اللواء عن مضمون خطته وقبل أن يتفوه بأول
جملة حتى هجم عليه الجنود و أشهروا أسلحتهم بوجهه، فركب سيارته وولى هاربا إلى
قيادة الفرقة في رام الله. وبعد أن هرب (اشتون) اتصل (علي أبو نوار) بالقائد
(حابس المجالي ) و بالقائد ( محمود الروسان) أركان حرب حابس المجالي، و بالقائد
(عكاش الزبن) و شرح لهم ما حدث، فكان الجواب: نموت في باب الواد ولا
ننسحب متر واحد معركة اللطرون وباب الواد ( معارك البرج، وقولة،
وخراب اللحام) 9 – 18 تموز1948 . نفذ اليهود القسم الأول من عملية (داني) باحتلالهم
(اللد والرملة)، أما القسم الثاني من هذه العملية، فكان يقصد به مواصلة العملية
لاحتلال اللطرون . وعندما أتم (بيجال الون Yigal Allon)
سيطرته على اللد والرملة، شن هجوم المرحلة الثانية بخمسة ألوية هدفها الرئيس هو
الالتفاف حول اللطرون من الشمال من خلال احتلال (بیت
نوبا وبيت سيرا). وهو بهذا يقطع الطريق، ويعزل اللطرون عن (رام الله، ويفتح الطريق
بين رام الله و نابلس . وفي 15 تموز 1948م، تقدمت القوات
اليهودية من اللد عن طريق جمزو، ثم واصلوا تقدمهم فهاجموا في 16 تموز 1948م،( البرج) و (بير معين) واحتلوهما ، ولكن الجيش العربي قام بعد ظهر
اليوم نفسه بهجوم مضاد عنيف وبعد معركة شرسة تمكن الجنود الأردنيون من طرد القوات
اليهودية من البرج . ثم واصلت قوات الجيش العربي التحامها مع القوات اليهودية
وأجبرتهم على الانسحاب من (قولة)، بعيدا عن الطريق التي تعبر (بيت سيرا) والتي
كانت تحت سيطرة قوات أردنية ذات مستوى عال . حاربت القوات الأردنية المتمركزة في اللطرون و باب
الواد ببسالة وشجاعة نادرتين بقيادة الرئيس حابس المجالي
وعكاش الزبن، و أحبط الجيش العربي بكفاءة عالية عملية (داني) اليهودية والتي كانت
تستهدف احتلال اللد و الرملة ومن ثم احتلال اللطرون ورام الله . لقد نجحت في شقها
الأول و فشلت في الشق الثاني، وسجل الجيش العربي بقيادة ضباطه الأردنيين بطولات
نادرة . فقد اشتركت العربات المدرعة الأردنية في هذا الهجوم يقودها (حمدان
البلوي)، الذي تقدم بثبات نحو (البرج) على رأس قواته . فأصيبت سيارته المسلحة ودمرت تماما، فأصيب و مع
ذلك ظل يحارب حتى استشهد، وأخرجت من جسده مئة شظية . وعن هذا البطل يقول حايم هر زوج : (قام
الفيلق العربي بأعنف هجماته المضادة طوال الحرب . وقد سجلت تلك المعارك العديد من
قصص البطولة، كانت أحداها قصة مجموعة العربات المدرعة التي كان يقودها شاب من
البدو وتقاتل بقرية البرج . فبالرغم من إصابته بعدة جراح ظل هذا الشاب يقاتل حتى
صارت عربته حطاما لا رجاء فيها، وفي المستشفى استخرجوا من جسده أكثر من مائة جسم
معدني) يعلق أحد الضباط الانجليز على معركة (البرج) هذه
فيقول : لم أر أكثر هدوءا وأكثر ثباتا و تصميما على هذا التقدم من - خط البداية
إلى النهاية، أكثر ثباتا من قوات الجيش العربي . فرغم النيران الكثيفة وشدتها
وعنفها، تلك النيران التي كانت أكثر عنفا من تلك التي حدثت في الهجمات الأوروبية
في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك ثبت مقاتلو الجيش العربي الأردني وطردوا
اليهود من البرج . بعد أن قتلوا منهم (87) جنديا وجرحوا (74)، أما شهداء
الجيش العربي فكانوا (4) وجرح (5) جنود أما الأسرى فكانوا (170) أسير
يهوديا.لقد كان المجهود الرئيس للواء (هارئيل) اليهودي موجه ضد مرتفعات اللطرون
التي تسيطر عليها إحدى الكتائب الأردنية، بينما كانت الثلاث كتائب الأولى والثانية
و الرابعة تتمركز في عموم اللطرون . وقد واجهت قوات ( هارئيل) ضغطا شديد نتيجة
لهجوم مضاد قامت به وحدات الجيش العربي في (البرج وبيت سيرا) (وفشلت المحاولة
الإسرائيلية للاستيلاء على اللطرون).ويقول حايم هر زوج : ( قرر ييجال آلون القيام
بهجوم جبهوي على اللطرون، وقامت قوات هارئيل) باحتلال المرتفعات الواقعة فوق ( بيت
نوبا)، بينما شنت قوات (يفتاح) هجومها من الغرب يساندها اللواء الثامن مدرعات على
أنه و بسبب خطأ في الاتصال، انسحبت قوات الدعم التي تكبدت خسائر كبيرة بسبب المدفعية الأردنية المضادة للدبابات المنصوبة فوق سطح
شرطة اللطرون ولم يصمد المشاة . وكان ذلك آخر محاولة إسرائيلية للاستيلاء على
اللطرون وظلت تسد الطريق الرئيس إلى القدس مدى الأعوام التسعة عشر الآتية، حتی سقطت خلال حرب الأيام الستة) 67. أما اسحق رابين فيقول : (ولكن الجيش الأردني شن
هجوما معاكسا وتمكن من صد قوات لواء (يفتاح) التي تكبدت خسائر فادحة جدا وأعلن عن
(44) جنديا منها كمفقودين) . أما محمود الروسان فيذكر أن القتلى اليهود بلغوا (200) قتيل وعددا كبيرا من الجرحى أما خسائر الجيش العربي، فالشهداء (9) والجرحي (42) بالإضافة إلى (8) مفقودين(. ويذكر الملازم الأول عبدالله العايد في تقريره أنه
خرج في دورية من الكتيبة الخامسة بتاريخ 18 تموز 1948م في منطقة اللطرون فاصطدم
بالعدو اليهودي في معركة شرسة عند قرية (خراب اللحام) وتمكنت هذه الدورية من
الفتك باليهود وأوقعت بهم (32) قتيلا وعددا من الجرحى، ثم عادت الدورية إلى
مواقعها دون أن يصاب أحد من إفرادها بأذى فالشق الثاني من عملية (داني)
فشلت تماما، فقد تمكنت سريتان من الجيش العربي من وضع حد لمهمة خمسة ألوية مقاتلة
يهودية من ضمنها قوات الكوماندوز الخاصة وما ذلك إلا دليل عملي وترجمة حقيقية
لكفاءة الجيش العربي الأردني القتالية وبسالة وشجاعة رجاله ضباط وأفراد الذين
كانوا موضع فخر وطنهم وأمتهم و تقدير قائدهم الأعلى الملك عبدالله الأول الذي أرسل
في اليوم الثاني للمعركة 19 تموز برقية إلى ضباط وأفراد الكتائب الأولى والثانية و
الرابعة يقول فيها : ” علمت بالتفصيل عن محاربتكم أمس وما قمتم به من بسالة وشجاعة
واتقان في فن الحرب مزودين برضانا و توفيق الله و حسن التدريب فصددتم القوات
الهائلة التي قصفتكم مدة أربعة عشرة ساعة بدون انقطاع بهجمات و تطهير ، وأني أحمد
الله على ذلك و أشكر كل فرد من جيشي و كل ضابط وضباط الصف و الضباط القواد، وأني
لشاكركم و فخور ببسالتكم ، وإن بلادي لتشاركني هذا الفخر . الهدنة الثانية بدأت الهدنة الثانية في 18 تموز 1948م، فاستغلها اليهود للراحة وإعادة التنظيم
والاستعداد و مع ذلك ففي ظهر18 تموز 1948م، تقدمت قوة
مؤللة من القبيبة إلى أسفل الطريق بإتجاه اللطرون في محاولة أخيرة ويائسة، إلا أن
الجيش العربي صد هذا الهجوم بعد أن دمر دبابتين و أعطب ثالثة و كانت هذه آخر
محاولة لهم (70). لم تتمكن الجيوش العربية من الحصول على
السلاح المطلوب، ولم تطرأ زيادة كبيرة على تسليحها، وفي المقابل زادت قوة اليهود
وتحسن ميزان القوى لصالحهم ) وفي
هذا الإطار يقول حاييم هر زوج : (على الرغم من هذه النكسة، فقد عزز قتال الأيام
العشرة، في إطار عملية (داني) من موقف القوات الإسرائيلية بما لا يقاس، فقد أصبحت
الرملة واللد (بمطارها الدولي في أيدي الإسرائيليين، و ابتعد التهديد المباشر عن
تل أبيب)(72)، وأصبح لدى اليهود في تشرين أول 1948م (80) ألف
مقاتل بعد أن وصلتهم إمدادات عسكرية وبشرية من الدول الأوروبية والولايات المتحدة
الأمريكية من طائرات ودبابات و بوارج حربية، والمهمات العسكرية الأخرى. كانت الهدنة الثانية فرصة استغلها اليهود كي
يجلبوا الأسلحة والعتاد الحربي بقدر المستطاع وبالسرعة الممكنة . وأن مقارنة القوات العربية بالقوات اليهودية في
هذه الفترة تظهر مقدار التفوق الذي أصبح لليهود من ناحية عديد القوات والأسلحة
وأنواعها . أضف إلى ذلك أن اليهود كانوا الأقدر على الدعاية في وسائل الإعلام
المختلفة، وصوروا للعالم أن اليهود بقواتهم الصغيرة المتواضعة تحارب هذا الكم
الهائل من العرب بأعدادهم وعديدهم وقواتهم الكبيرة . والواقع أن العرب لم يستعدوا للحرب كما استعد لها
اليهود منذ إعلان التقسيم 1948م، كما أن بريطانيا سهلت مهمة اليهود في فلسطين
ولم تزود الجيوش العربية بالأسلحة الكافية، بل عمدت إلى بذر الشكوك بين العرب
أنفسهم. القدس أثناء الهدنة الثانية وحتى الهدنة الدائمة يقول علي أبو نوار : ” إن نصف مليون أردني
بقيادة الملك عبدالله، بالرغم من القيود البريطانية شرفوا أنفسهم في ميدان القتال
مع أقل الادعاء و الكلام. لم تهزم في معركة، وفتكنا بالعدو كما لم يفعل غيرنا ونتائج الحرب التي تحملنا عبئها الأعظم تشهد
أننا و على صغر شعبنا وضيق مواردنا، وانعدام أي تعاطف عربي معنا، حفظنا بالقتال ما
فشل غيرنا في الحفاظ على مثله من أرض و مقدسات ” فقد قاتل رجال الجيش العربي بشرف
و بسالة وقدموا تضحيات جسام تعز على الحصر وعن الوصف و قد كبدوا العدو اليهودي
المعتدي في كل مرة خسائر جسيمة، وقد فشلت خطة (داني) اليهودية في السيطرة على
اللطرون و باب الواد وصولا إلى القدس، ودخلت الهدنة الثانية حيز التنفيذ . وفي تلك
الأثناء كان ( الكونت برنادوت)، وسيط الأمم المتحارة ، يسعى لاقرار مقترحاته التي
تنص على ما يأتي: أ. يأخذه اليهود الجليل الأعلى مقابل التخلي منطقة
النقب جنوب فلسطين . ب.تعاد كل من الرملة و اللد إلى العرب . ج.توضع مدينة القدس ومطار اللد الدولي تحت اشراف
الأمم المتحدة. رفض اليهود هذه المقترحات التي رفعها برنادوت إلى
مجلس الأمن في 17 أيلول 1948م، وأثناء توجهه إلى القدس، تعرضت له قوة من عصابة
(شتيرن) عند حيا القطمون وقتلوه. وكان رد الفعل الدولي لمقتل برنادوت على دولة
اليهود صعبا للغاية، فبمقتله تحول تقريره من توصيات إلى (وصايا سياسية). ومع ذلك
فقد تحدى اليهود المجتمع الدولي، وقاموا بعملية عسكرية على الجبهة المصرية سموها (يو
آف (yoav بقيادة (بيجال ألون) تهدف إلى فتح ممر
إلى النقب، وقطع خطوط المواصلات المصرية على الساحل وطريق بئر السبع - الخليل -
القدس، وعزل القوات المصرية هناك.ولتبرير هذه العملية إدعوا أن المصريين كانوا
يرفضون رفضا باتا السماح للقوافل الإسرائيلية بالمرور بحرية إلى النقب. يقول (لوب) في كتاب موجه إلى (يمان Pyman)
في 3 تشرين أول 1948م : (أحاول أن أجعل الأردن ينال أكبر قسم من
فلسطين ولها ميناء على البحر المتوسط... وشئ آخر بحيفا هو الجيش العراقي فمن
المقرر أن يصبح عدیده (20) ألفا في كل من فلسطين والأردن، ولا أدري ما هو
موقف حكومة الأردن، وأعلم أنهم لا يعرفون الحقائق، ولكن الوضع ربما يتغير في أية
لحظة ... وإن انتهت الحرب العربية اليهودية فإننا سنسحب قواتنا من فلسطين و نقدمها
على طبق إلى (المفتي). لا اعتقد أن القوة العسكرية (الجيش العربي الحالية المكونة
من (6389) فردا بالإضافة إلى (2000)كاحتياط فالقوة
المعبأة هي (8389) فردا فلدينا و الحالة هذه (12000) رجل
من ضمنهم البوليس، ومع ذلك فهذه قوة غير كافية عندما تكون محاطة بمثل هذه المتاعب إذا
ترك الأردن لوحدة محاطا بدول معادية هي : السعودية وسوريا واليهود والمفتي فانه
سينهار فإن أرادت بريطانيا أن يفي الأردن حيا وقاعدة إستراتيجية فعلى بريطانيا
دعمه بقوة) كتاب كلوب إلى (بيمان Pyman )
رقم ALG/ ۳۱ تاريخ ۱۹۶۸/۱۰/۳م
(وثائق العمليات الحربية في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردية). ومن هنا أصبحت العمليات العسكرية الإسرائيلية
مبررة، وهكذا كان سوء تقدير المصريين لصعوبة الموقف الذي وضعت فيه إسرائيل عقب
مقتل برنادوت، سببا لفتح الطريق أمام العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي أدت في
نهاية المطاف إلى ازاحة الجيش المصري و هزيمته) (ويقول الخبير العسكري سيد علي
العدروس: (إن هزيمة المصريين كانت في المقام الأول نتيجة للقيادة العسكريةغير
البارعة و المتوسطة، إن وضع خطوط الدفاع المصرية تؤدي حتما إلى الهزيمة، وخصوصا
عندما تكون أمام القوات الإسرائيلية الجيدة و السريعة، لقد كان هناك استخفاف وخطأ
بالأوامر). أما الضابط جمال عبد الناصر الذي كان محاصرة
بالفالوجة فيقول : (فقد خدعنا و جررنا إلى معركة لم نكن مستعدين إليها . وفي كل
وقت أصل إلى هذه الدرجة من تخيلي، فإن فكري سوف ينتقل بسرعة فائقة عبر ساحة
المعارك إلى حدود مصر فهناك وطني و بلدي ... إنها فالوجة أخرى في دائرة
كبيرة . بدأت الهدنة الثانية مساء 18 تموز 1948م، وساد الاعتقاد لدى معظم القادة العرب أن مجلس
الأمن الدولي سينصف العرب والقضية الفلسطينية، وسيعمل على إيجاد تسوية معقولة ترغم
اليهود إلى القبول بالتقسيم وإعادة الأراضي التي احتلوها للعرب، والإبقاء على
النقب عربية، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وأن مجلس الأمن سيفرض
التسوية فرضا. والواقع أن العرب كانوا في وضع لا يحسدون عليه، لم تكن لديهم
خطة معينة و استراتيجية خاصة بفلسطين، وكانت قيادات جيوشهم متعددة . بينما
كان لليهود خطة محددة واستراتيجية واضحة وقيادة واحدة موحدة، وشتان بين
الفريقين . فالأمة العربية لم تخرج جميع قواها، ولم تلق بثقلها كله في ميدان الحرب
في فلسطين، فالأمة العربية كانت في حالة ذهول لما آلت إليه الأحداث في فلسطين
. لم يتوقف إطلاق النار خلال هذه الهدنة على خطوط
التماس بين اليهود والجيش العربي، فكان هناك حوادث قنص من الجانبين، وقصف
بالمدافع و الرشاشات بين الحين والآخر وفي 21 تموز 1948م، عمل المراقبون الدوليون في القدس على عقد اجتماع بين
الأردنيين و اليهود، فكان الوفد العسكري الأردني برئاسة القائد عبدالله التل، أما
الوفد العسكري اليهودي فكان برئاسة (شالتنيل). وتم التوقيع في هذا الاجتماع على خرائط خطوط
الهدنة التي نظمت من قبل المراقبين الدوليين لبيان مواقع الطرفين بالإضافة
إلى المناطق الحرام التي تفصل بينهما ، وكعادة اليهود في نقض العهود
والمواثيق فقد قاموا بعدة هجمات ضد الجيش العربي في القدس، فقبل بدء الهدنة بيومين
قام العدو اليهودي في 16 آب 1948م بشن هجوم مركز على حي الشيخ جراح ورأس المشارف
(سكوبس) حيث تقع الجامعة العبرية ومستشفى هداسا، ومهدوا لذلك بهجوم مدفعي شديد.
كان هدفهم الوصول إلى مياه (عين فارة) التي تزود القدس القديمة بالمياه، إلا
أن الكتيبة الثالثة تمكنت من صد الهجوم وكبدتهم خسائر فادحة . ثم عاد اليهود في
مساء يوم17 آب 1948م بالهجوم على
الأحياء الجنوبية من القدس، وامتد خط قصفهم من منطقة النبي داود حتى صور
باهر، بما في ذلك (سلوان و الثوري وجبل المكبر ومواقع القوات المصرية). وكان تركيز الهجوم على جبل المكبر،
فاستولوا عليه بأكمله، واحتلوا موقع القوات الأردنية والمصرية ودار الحكومة
والكلية العربية وتم كل ذلك قبل فجر يوم 18 آب1948 م، يوم بدء سريان مفعول الهدنة . إلا أن الكتيبة السادسة بقيادة عبد الله التل قامت
بهجوم معاكس في الرابعة من صباح اليوم نفسه متعاونة مع القوات المصرية و مناضلي
الجهاد المقدس، و قامت مدفعية الجيش الأردني في رأس العامود بقصف مواقع العدو
وساندتها المدفعية المصرية، ما أدى إلى تمزيق القوات اليهودية. وتمكن الجنود الأردنيون من أسر (12) جنديا يهوديا في دار الحكومة وفر الباقون، واستمرت هذه المعركة أربع
ساعات و انتهت عند الساعة الثامنة من صباح يوم الهجوم اليهودي أما خسائر
العدو في هذه المعركة السريعة الشرسة كما قدرها عبد الله التل بأكثر من (50) قتيلا، وإصابة أكثر من (100) بجراح . أما خسائر الجانب العربي فكانت استشهاد (2) جنديين
من الجيش العربي وثلاثة (3) جنود مصريين بالإضافة إلى (5) مناضلين أدت هذه المعركة إلى أن يقوم الجنرال (رايلي) كبير
المراقبين الدوليين بعقد اجتماع في 22 آب 1948م، حضره عبدالله التل عن القوات الأردنية، وأحمد عبد العزيز عن
القوات المصرية، وطارق الإفريقي عن قوات المناضلين الفلسطينيين، و موشي دايان
عن القوات اليهودية، وبعد نقاش دام يومين وافق اليهود على الجلاء عن المراكز
المحيطة بالكلية العربية و وضعت المنطقة تحت إشراف الرقابة الدولية، وتضم هذه
المنطقة : دار الحكومة والكلية العربية و المدرسة الزراعية. وتم الاتفاق كذلك على
إيقاف إطلاق النار تماما وسحب العسكريين من المنطقة و إزالة التحصينات . وفي26 أيلول 1948م وضعت الخرائط اللازمة لتعيين
مواقع المنطقة المنزوعة السلاح وتم التوقيع عليها من قبل ضباط الفريقين . وتم ذلك كله بموافقة حكومتي الأردن ومصر، وفي 30
تشرين أول 1948م وقع عبدالله التل و موشي دايان على اتفاقية وقف اطلاق النار
الكامل والفعلي في القدس . وبموجب هذه الاتفاقية سمح الجيش العربي لقافلة يهودية
تقطع اسبوعية الخطوط العربية إلى (جبل المكبر) و مستشفى هداسا إلى الشرق من القدس
لتأمين المؤن اليهود الموجودين فيها والاتصال بهم. تواصلت الاجتماعات بين عبدالله التل و
موشي دايان في 5 كانون ثاني 1949م، وكانت المقترحات الأردنية تتركز حول إيجاد ممر
يربط الأردن مصر عبر النقب، أما في إطار القدس فكان الأردن يطالب بالمدينة القديمة
كلها باستشاء الحي اليهودي، بالإضافة إلى مطالبته بحي القطمول ،
والحي الالماني ، و ضواحي ( تالبيوت في القدس اليهودية . وقد رفض اليهود المطالب
الأردنية وعرضوا الأمر على (بن غوريون) وطالبوا بوقف المحادثات، إلا أن بن غوريون
طلب منهم الاستمرار وقال : (نحن بحاجة إلى
السلام، ربما أكثر من الأردنيين). وهكذا استمرت المحادثات في 14 كانون ثاني 1949م، ثم انتقلت من القدس إلى الشونة الجنوبية في 16 كانون ثاني م 1949، حدث ذلك بينما كانت المحادثات تجري في رودس بين مصر وإسرائيل
لتوقيع اتفاقية الهدنة الدائمة . ثم حدث لقاء آخر في 30 كانون ثاني1949 م، و لم تؤد هذه المحادثات
إلى نتائج ملموسة ، فالهوة كانت سحيقة بين وجهات نظر الطرفين . مباحثات الهدنة الدائمة وموضوع المثلث أجبرت ظروف الحرب على الأرض الفلسطينية وما أحاط
بها من مؤامرات دولية وتواطؤ الدول العظمى مع اليهود إلى أن وافقت مصر على عقد
محادثات الهدنة في جزيرة (رودس) بإشراف الأمم المتحدة، وانتهت هذه المحادثات إلى
عقد هدنة دائمة بين مصر وإسرائيل في 24 شباط
1949م. ثم لحقت بها دول عربية أخرى على رأسها لبنان الذي وقع اتفاقية الهدنة في 23 آذار1949م. والأردن في 3 نيسان 1949م، وأخيرا وقعت سوريا الهدنة
مع إسرائيل في 20 تموز 1949م 89 أما العراق فرفض توقيع هدنة مع إسرائيل لعدم وجود حدود مشتركة
بينهما، وفي محادثات رودس كان الوفد الأردني يمثل العراق بشان القطاع الذي كانت
القوات العراقية ترابط فيه على الجبهة الأردنية . وقداعترض اليهود على أن تقوم
القوات الأردنية بأخذ المواقع التي ستجلو عنها القوات العراقية، واعتبروا ذلك خرقا
للهدنة. ولحل هذا الموضوع اجتمع موشی دایان مع عبدالله التل في القدس في 18 آذار1949م يقول دایان: (قلت للتل إننا نريد مدخل وادي عارة جنوبي
حيفا، والتلال المسيطرة على هذا الوادي، و السهل الساحلي الضيق، حيث كنا نتعرض إلى
عمليات إلهاء من قبل القوات العراقية . وأجاب التل إن مثل هذا التنازل متعذر ،ولا
يسع القوات الأردنية أن تتراجع إلى وراء الخطوط التي ترابط فيها القوات العراقية )
. إزاء ذلك كان لا بد من
استئناف القتال بين الطرفين لأن كلا أصر على رأيه ولان نابلس والمناطق المجاورة
لها تصبح في خطر إزاء المطالب اليهودية، إلا أن اجتماعا آخرعقد بين
الطرفين في 22 آذار1949م، قرب بوابة مندلبوم في القدس. ومثل الأردن في هذا الاجتماع وزير العدل فلاح
المدادحة، والمدير العام لوزارة الخارجية حسين سراج، وعبدالله التل. ومثل الجانب
اليهودي، موشي دايان، و ايتان، و پيغال يادين رئيس دائرة العمليات العسكرية، و حركاوي .
و دارنقاش طويل و أصر كل على وجهة نظر و مطالبه . ثم استؤنف الاجتماع في
اليوم التالي، والتقى الوفدان بالملك عبدالله وكان بين الأعضاء الأردنين رئيس
الوزراء بالوكالة، ووزير العدل، ووزير التربية ( المعارف)، والمدير العام لوزارة
الخارجية، وضابط بريطاني يمثل الجيش العربي، وقائد أجهزة الأمن الأردنية . وطالب
الأردنيون بعدد كبير من المطالب مقابل تنازلاتهم، وفي الثانية صباحا، انتهت
المحادثات بالتوقيع على الخرائط وكان الملك قد انسحب في الحادية عشرة ليلا
ونص الإتفاق على أن : أ. تقبل إسرائيل أن يحل
الجيش الأردني محل الجيش العراقي . ب. تكون الحدود الفاصلة بين
الطرفين كما هو مبين بالخرائط المرفقة (وقد أعطى الخط الجديد اسرائيل (400) كيلمتر مربع من الأرض تضم (16) قرية ج. تعوض اسرائيل على الأردن
في مناطق أخرى . وفي هذا الموضوع على سليمان موسى : (إن الأردن [اختار أهون الشرين، ولم يكن اختياره عن رضى، بل
كان في الواقع قسرا وإكراها). أما صادق الشرع فيقول : (كان
لانسحاب الجيش العراقي من الجبهة أثر بالغ الخطورة على الجبهة الأردنية ، وتسبب
بالنتيجة بخسران مساحات واسعة من الأراضي والقرى العربية في منطقة المثلث تمكن
اليهود من الاستيلاء عليها تحت الضغط والتهديد باستئناف القتال ضد الأردن، ولأنه
لا يستطيع الصمود أمام مثل هذا الهجوم لوحده بعد انسحاب الجيش العراقي)). ووقع
الاتفاق النهائي في 31 آذار 1949م ووافق عليه مجلس الوزراء بالإجماع، والأرض
التي حصلت عليها إسرائيل كانت تؤلف شريطا يتراوح عرضه كيلومترين إلى ثلاثة
كيلومترات على جبهة طولها (180) كيلومترا.
ونصت الاتفاقية على تعديل الخط العسكري في منطقة الخليل - البحر الميت لصالح
الأردن كتعويض عن أراضي المثلث، على أن يبقى سكان المثلث في قراهم، ونقلت
الاتفاقية إلى رودس ووقع عليها هناك بحضور الوسيط الدولي (رالف بانش (Ralph Bunche في 3 نيسان 1949م. يقول دايان : ووقع خرائط
اتفاقية الهدنة الأردنية - الإسرائيلية جون باجت كلوب) قائد الجيش العربي، ووقعها عن
الجانب الإسرائيلي موشي دايان.دارت مفاوضات بين دايان و عبدالله التل أسفرت
عن قبول الأردن إطلاق سراح الأسرى اليهود وعددهم (702) من بينهم (89) فتاة،
وبالمقابل أطلق اليهود سراح نحو خمسة آلاف عربي من المدنيين الفلسطينيين الذين
اعتقلوهم أثناء استيلائهم على المدن والقرى الفلسطينية بحجة أنهم في صفوف
المناضلين، و أطلق اليهود كذلك سراح أربعة أسرى من الجيش العربي الأردني . أما دایان فيقول بأن عدد أسرى الجيش العربي (12) جنديا، أما أسرى اليهود فهم (670) فردا، بينهم (85) امرأة (1) .