لم يكن الشريف الحسين بن علي ومعه الكثير من الأحرار
العرب لينتظروا ما ستؤول إليه الأمور، بل كانت هناك سلسلة من المراسلات مع القيادة
العثمانية للتنبيه إلى خطر الحرب والنتائج السيئة لها على العرب والمسلمين، وقدم
الشريف الحسين بن علي نصيحة للأتراك بأن لا تدخل تركيا الحرب بأي شكل من الأشكال. لم تجد آراء الشريف الحسين وأفكاره ونصائحه أي
قبول لدى سلطة الباب العالي، بسبب السيطرة من قبل جماعات (الدونمة) - وهي فئة
يهودية تظاهرت بالإسلام - على الإدارة والقيادة العثمانية، فدخلت تركيا الحرب بعد
ثلاثة شهور تقريباً من نشوبها في عام 1914م، فكانت هذه البداية لدى العرب للتفكير
في مستقبلهم، والتخطيط له على ضوء الإحتمالات القادمة، وجميعها ستكون سيئة ووبالاً
على العرب إذا لم يتخذوا الخطوات المناسبة منذ تلك اللحظات. تدهورت الأوضاع في البلاد العربية في ظل الحكم
التركي وبخاصة في أواخر القرن الثامن عشر بسبب تحكم العديد من العناصر غير
العربية، وقد أثرّ هذا على العرب، لذا يعتبر القرن التاسع عشر بداية نهضة عربية
جديدة، وظهرت هناك حركات عربية تنادي باستعادة الأمة لتاريخها المجيد ومكانتها
اللائقة بها، وتنامى الشعور بالهوية العربية والطموح بالإستقلال. نتيجةً لتنامي هذا الشعور وتعاظم المعارضة الفكرية
لحكومة الإتحاد والترقي ، إتخذت هذه الحكومة قرارات هامة في عام 1914 من أهمها
إقصاء الضباط العرب عن العاصمة إلى الولايات التركية البعيدة، وإعداد برنامج
التتريك، وتطويق الحركة الإصلاحية المعارضة، وإبعاد الإصلاحيين العرب، كما قامت
بتعزيز نفوذ جمعية الإتحاد والترقي. سبق قيام الثورة أحداث مهمة من أهمها سقوط
الولايات العربية الواحدة تلو الأخرى في أيدي الاستعمار الأوروبي الجديد، وتم نفي
الشريف الحسين بن علي عام 1893 إلى استانبول "النفي الذهبي"، وبعد
حوالي خمسة عشر عاماً تمكن الشريف الحسين بن علي من الوصول إلى إمارة مكة، وعاد
إليها بعد موافقة السلطان عبد الحميد واستقبله العرب مهنئين وموالين. قبيل الحرب العالمية الأولى قامت تركيا بإعلان
الجهاد المقدس ضد الحلفاء، وطلبت من الشريف الحسين بن علي أن يعلن ذلك، فاستجاب
لطلبات الأتراك وأنه يؤيد الدعوة إلى الجهاد من كل قلبه، لكنه اعتذر عن إعلان ذلك
في ظل الظروف التي كانت قائمة. كانت تركيا تبغي من وراء دعوتها للجهاد إضرام
النار في العالم العربي وتهييجه، وقد أثارت أعذار الشريف الحسين غضب الأتراك، رغم
أنها مفحمة، مما أدى إلى تفكيرهم في عزله على أن يخلفه أمير لمكة يكون أسلس قيادةً
منه، وصدرت الأوامر إلى "وهيب بك" الوالي التركي في الحجاز ليمهد
السبيل سراً لاعتقاله دون إثارة القبائل، وفي الوقت نفسه وجهت إليه دعوة تفيض
بالرقة لزيارة دمشق لكي يتباحث مع جمال باشا. في هذه الفترة أخذ الشريف الحسين بن علي يبحث عن
مصلحة الأمة العربية وأين تكمن، وازداد ضغط الأتراك عليه ، ولكن المحادثات بينه
وبين بريطانيا بدأت، حيث إن بريطانيا كانت تبحث عن حليف لها في المنطقة والشريف
الحسين يبحث عن مصالح أُمته العربية واستقلال الوطن العربي، وبعد محادثات طويلة (محادثات الحسين - مكماهون) واستمزاج رأي أحرار العرب في دمشق، والاتفاق على ميثاق
دمشق الذي تمت الموافقة فيه على الوقوف إلى جانب الحلفاء مقابل قيام الدولة
العربية المستقلة وفق حدود واضحة وافقت عليها بريطانيا عبر محادثات الحسين -
مكماهون.